البيت العربي
أرى في خواني نملة تطلب الغذا
عدد ابيات القصيدة:50
أرى فــي خــوانـي نـمـلة تـطـلب الغـذا
فـأتـركـهـا كـالضـيـف تـأكـل مـا تـهـوى
ولكــن رمــتــهــا بــعــد حــيـن كـأنـهـا
رأتـهـا سـتـغـدو عـن قريب من الموتى
فـظـلت تـعـانـي النـزع أرنـو لهـا أسى
الى أن قـضـت لم تـبـدُ مـن فـمها شكوى
وكــانــت إذا مــرت عــليــهــا لداتـهـا
تــبــادلهــا شــمّــاً وتــتــركـهـا حـسـرى
فـكـانـت تـشـم المـوت مـنـهـا فـتـنـثني
وقـد يـئسـت مـنـهـا لهـا مـشـيـة حـيـرى
عــســاهــن لمــا عــدن مــنــهـا بـحـسـرة
يـخـبـرن عـن أحـوالهـا أمـهـا الثـكـلى
فــلو أنــنــي داويــتــهــا لي ضــيــفــةً
لكــنــت شـفـيـت النـفـس مـن زفـرة حـرى
ولكـــنـــهـــا مـــاتـــت لديّ غـــريـــبـــة
فــوا لهـفـي قـد أصـبـحـت جـثـة تـرمـى
رثــى لي صــحــابــي اذ رثــيــت لنـمـلة
وليــس لهــا ذنــب ســوى أنـهـا صـغـرى
يــقــولون صــغــرى أحــزنــتــك حــقـيـرة
ولا فـرق صـغـرى كـانت الروح أو كبرى
وأحـنـو عـلى الصـغـرى أشـد من الكبرى
فـعـطـفـي عـليـهـا كـلمـا صـغـرت أسـمى
ويــا نــمـلة فـاقـت حِـجـانـا بـعـقـلهـا
ولكـن غـرور الجـهـل فـيـنا قد استعلى
تــحــدث إذ تــلقــى ســواهـا بـصـمـتـهـا
وتـحـكـي بـمـا شـاءت فـفـي صمتها نجوى
تـــؤدّي مـــعـــانـــيــهــا بــدون تــكــلم
ونـحـكـي كـلامـاً مـسـتـمـراً بـلا مـعـنى
أتــت فــوق شـعـري وهـي تـمـشـي طـروبـةً
كـأنـي بـهـا شـمّـت بـه وصـفـهـا الأوفى
تـــلتـــه وقـــد مـــرت تـــشـــم حــروفــه
فــراحــت بــه مـن فـرط لذتـهـا نـشـوى
فــحــســبــي مــنــهـا وحـي شـعـرٍ أخـذتـه
فـجـئت مـن الأشـعـار بـالمثل الأعلى
فــزدت بــهــا رزقــاً لشــكـر صـنـيـعـهـا
بـبـذلي لهـا صـحـنـا من الحب والحلوى
أرى النـمـل مثل الطفل بالحلو مولعاً
فــان خــطــفــتــه نــمـلة ركـضـت جـذلى
لقـــد كـــرّم النـــمـــل الإله بــســورة
وكــان ســليــمــان النــبــي بـهـا أدرى
وقـــد قـــال فــردوســيُّ فــارس بــيــتــه
عـن النـمـل حـتى أصبح المثل الأسمى
ولكـــنـــنــي أعــطــيــت كــامــل وصــفــه
فـأصـبـح عـن أوصـاف غـيـري قـد استغنى
فــيــا ليــت أنـي أقـتـفـيـهـا لعـلنـي
أرى دار اسـعـاف لهـم تـسـعـف الجـرحـى
ويـــا نـــمــلةً جــاءت تــقــلُّ جــريــحــة
مـن النـمـل هـل تبغي الذهاب لمستشفى
ولكــنــهــا مــثــل النــهــار صــريــحــةٌ
لمــا وثــقــت مـن أن عـيـشـتـهـا فـضـلى
وليــســت كــأنـواع الهـوام مـن الدجـى
قـد اتـخـذت سـتـراً لعـيـشـتها الدنيا
أأطــردهــا ضــيــفــا خــفــيــف مــؤونــةٍ
صــغــيــرة حــجــم لا تــكـلفـنـي مـأوى
وليــس لهــا قــصــد بــجـسـمـي ولا دمـي
غـنـيـة نـفـس مـن سـوى الكـد لا تـحـيى
فــليــســت بــمــكــســال ولا هــي عــالة
تــكــد لتــحـيـى لا تـكـل عـن المـسـعـى
إلى قـوتـهـا تـسـعـى وتـسـعـى لغـيـرهـا
فـتـلقـى دروسـاً فـي التـعاون لا تنسى
مـــعـــلمـــتـــي والأجـــر حـــبــة ســكّــر
وفـضـل طـعـام ليـس لي فـيـه مـن جدوى
تــــنــــظـــف لي أرض الخـــوان بـــدقـــة
وتــذهــب ضــيـفـاً مـا أخـف ومـا أحـلى
نــظــيــفــة جــســم بــل نـظـيـفـة مـأكـل
تـكـاد لفـقـد الصـوت فـي سيرها تخفى
وليــســت ذبــابــا مــزعــجـاً بـطـنـيـنـه
له قـذرٌ فـي الجـسـم والأكـل والمـرأى
تــنـزُهـهـا فـي السـعـي للرزق والعـنـا
ولذتــهــا فـي فـعـل واجـبـهـا الأسـمـى
ومـا هـمُّهـا فـي اللهـو أو فـي بـطـالة
فـليـست تضيع الوقت في تافه الأشيا
فــان يــع مــعــنــاه أتــت كــل نــمــلة
بــحــبـتـهـا لي وهـي جـائزتـي العـليـا
فــليــت لنــا مــنـهـا زعـيـمـا وقـائداً
يـعـلمـنـا كـيـف المـعـيـشـة في الدنيا
تـــعـــلمـــنـــا حـــب النـــظــام وفــنــه
وتــمــنــحــنـا مـنـهـا بـتـربـيـة مـثـلى
لهــا هــمـة فـي حـمـل أضـعـاف حـجـمـهـا
فــإن لم تــطــق عــادت له كـرة أخـرى
تــجــاذبــه لا يــدخــل اليـأس قـلبـهـا
ولاهـي مـن أتـعـابـهـا تشتكي البلوى
وقــد تــنــتـهـي الآمـال مـنـا لخـيـبـة
سوى النمل يبقى عنده الأمل الأقوى
مــغــامـرة ان عـاقـهـا المـاء أصـبـحـت
وأصــحــابـهـا جـسـراً وأدركـت البـغـيـا
فــمــنــهــم رفــاق واصــلون ومــنــهـمـو
عـلى المـاء قـد طـافـت لهـم جثث غرقى
كــذا فـليـغـامـر مـثـلهـا كـل ذي مُـنـى
ومـن يـطـلب العـلياء لم يطلب البقيا
هــمــامــة نـفـس لم تـفـاخـر بـنـفـسـهـا
فـأعـمالها تنبي عن العزم لا الدعوى
تٌــطــوف فـي الدنـيـا وتـأوي لبـيـتـهـا
فـليـسـت بـبـيـتٍ غـيـره عـيـنـهـا تغفى
فـــلا ســـهــرٌ فــي ليــلهــا أو تــشــرُّدٌ
رقـادٌ الى أن يـأذن الصـبـح بالمسعى
وليـــت لنـــا مــنــهــا مــدرّس حــكــمــة
لنـأخـذ عـلمـاً مـن مـدارسـهـا العليا
فـــكـــان لديّ الحـــبّ قـــمـــح وغـــيــره
حـكـى جـبـلي نعمان في الحجم أو رضوى
مشاركات الزوار
شاركنا بتعليق مفيد
الشاعر: أحمد الصافي النجفي
ولد أحمد الصافي النجفي في مدينة النجف 1897 وتوفي في بغداد، وعاش في إيران وسوريا ولبنان وتنحدر أصوله من اسرة علمية دينية يتصل نسبها بـ الإمام موسى الكاظم تعرف بآل السيد عبد العزيز، توفي والده بوباء الكوليرا الذي انتشر في العالم في تلك الفترة عندما بلغ عمره 11 عاما, فكفله أخوه الأكبر محمد رضا.
ثم توفيت والدته سنة 1912 وتلقى علومه الأدبية والدينية وبقية العلوم الطبيعية ومحاضرات عن الفلك والكواكب والطب الإسلامي في مجالس الدرس من خلال جهود علماء الدين ثم أخذ يدرس قواعد اللغة والمنطق وعلم الكلام والمعاني والبيان والأصول وشيئا من الفقه على يد الاساتذة المرموقين في النجف وبدأ يقول الشعر في سن مبكرة، عند بلوغه سن العشرين وابان الحرب العالمية الأولى انتقل من النجف إلى البصرة بحثا عن العمل, ولكنه لم يحظى بتلك الفرصة لضعف بنيته واعتلال صحته, فتركها إلى عبادان ومنها إلى الكويت.
- من أهم دواوينه ديوان هواجس
قام بترجمة العديد من الكتب والمؤلفات من اللغة الفارسية إلى اللغة العربية ومن أثاره النادرة في هذا المجال ترجمته الرباعيات.
رحل عن الحياة في السابع والعشرين من شهر يونيو (حزيران) سنة 1977 في وهج الحرب الاهلية اللبنانية حيث اصابته رصاصة أطلقها عليه قناص في منتصف يناير 1976 وهو يبحث عن رغيف خبز يأكله بعد أن أمضى ثلاثة أيام لم يذق فيها الطعام, فحمله بعض المارة إلى مستشفى المقاصد, ولم يطل بها مكوثه لصعوبة الوضع القائم انذاك, فنقل إلى بغداد وقد كف بصره قبل عودته وأصبح مقعداً لابستطيع الحراك فلما وصلها انشد قائلا:
يا عودةً للدارِ ما أقساها *** أسمعُ بغدادَ ولا أراها.
وقال بعدها:
بين الرصاصِ نفدتُّ ضمنَ معاركٍ *** فبرغمِ أنفِ الموتِ ها أنا سالمُ
ولها ثقوبٌ في جداري خمسةٌ *** قد أخطأتْ جسمي وهنّ علائمُ
وهناك اجريت له عملية جراحية ناجحة لإخراج الرصاصة من صدره، ولكن العملية زادت جسده نحولا وضعفا فاسلم الروح بعد عدة أيام لبارئها وهو في "80" من عمره، بعد أن ترك تراثاً شعرياً خصباً، وترجمة دقيقة لـ رباعيات الخيام الخالدة