قصيدة أنادي الرسم لو ملك الجوابا للشاعر أحمد شوقي

البيت العربي

أُنادي الرَسمَ لَو مَلَكَ الجَوابا


عدد ابيات القصيدة:60


أُنادي الرَسمَ لَو مَلَكَ الجَوابا
أُنـادي الرَسـمَ لَو مَـلَكَ الجَـوابا
وَأُجــزيــهِ بِــدَمــعِــيَ لَو أَثــابــا
وَقَــلَّ لِحَــقِّهــِ العَــبَــراتُ تَــجــري
وَإِن كــانَــت سَــوادَ القَـلبِ ذابـا
سَــبَــقــنَ مُــقَــبِّلـاتِ التُـربِ عَـنّـي
وَأَدَّيــنَ التَــحِــيَّةــَ وَالخِــطــابــا
فَنَثري الدَمعَ في الدِمَنِ البَوالي
كَـنَـظـمـي فـي كَـواعِـبِهـا الشَبابا
وَقَــفـتُ بِهـا كَـمـا شـاءَت وَشـاؤوا
وُقــوفــاً عَــلَّمَ الصَـبـرَ الذِهـابـا
لَهــــا حَــــقٌّ وَلِلأَحــــبــــابِ حَــــقٌّ
رَشَــفــتُ وِصـالَهُـم فـيـهـا حَـبـابـا
وَمَــن شَــكَـرَ المَـنـاجِـمَ مُـحـسِـنـاتٍ
إِذا التِـبـرُ اِنجَلى شَكَرَ التُرابا
وَبَــــيـــنَ جَـــوانِـــحـــي وافٍ أُلوفٌ
إِذا لَمَــحَ الدِيــارَ مَـضـى وَثـابـا
رَأى مَــيـلَ الزَمـانِ بِهـا فَـكـانَـت
عَــلى الأَيّــامِ صُــحــبَـتُهُ عِـتـابـا
وَداعــــــاً أَرضَ أَنـــــدَلُسٍ وَهَـــــذا
ثَــنــائي إِن رَضــيــتِ بِهِ ثَــوابــا
وَمــا أَثــنَــيــتُ إِلّا بَــعــدَ عِــلمٍ
وَكَــم مِــن جــاهِـلٍ أَثـنـى فَـعـابـا
تَــخِــذتُــكِ مَــوئِلاً فَــحَـلَلتُ أَنـدى
ذُراً مِــــن وائِلٍ وَأَعَــــزَّ غـــابـــا
مُـــــغَـــــرِّبُ آدَمٍ مِــــن دارِ عَــــدنٍ
قَـضـاهـا فـي حِـمـاكِ لِيَ اِغـتِـرابا
شَــكَـرتُ الفُـلكَ يَـومَ حَـوَيـتِ رَحـلي
فَــيــا لِمُــفــارِقٍ شَـكَـرَ الغُـرابـا
فَــأَنــتِ أَرَحــتِــنــي مِــن كُـلِّ أَنـفٍ
كَـأَنـفِ المَيتِ في النَزعِ اِنتِصابا
وَمَـــنـــظَـــرِ كُـــلِّ خَــوّانٍ يَــرانــي
بِــوَجـهٍ كَـالبَـغِـيِّ رَمـى النِـقـابـا
وَلَيــسَ بِــعــامِــرٍ بُــنــيــانُ قَــومٍ
إِذا أَخــلاقُهُــم كــانَــت خَــرابــا
أَحَـــقٌّ كُـــنـــتِ لِلزَهـــراءِ ســاحــاً
وَكُــنــتِ لِســاكِـنِ الزاهـي رِحـابـا
وَلَم تَــكُ جَــورُ أَبـهـى مِـنـكِ وَرداً
وَلَم تَــكُ بــابِــلٌ أَشــهــى شَـرابـا
وَأَنَّ المَــجـدَ فـي الدُنـيـا رَحـيـقٌ
إِذا طــالَ الزَمــانُ عَـلَيـهِ طـابـا
أولَئِكَ أُمَّةــٌ ضَــرَبــوا المَــعــالي
بِــمَــشــرِقِهــا وَمَـغـرِبِهـا قِـبـابـا
جَــرى كَــدَراً لَهُـم صَـفـوُ اللَيـالي
وَغــايَــةُ كُــلِّ صَــفــوٍ أَن يُــشـابـا
مَــشَــيِّبــَةُ القُــرونِ أُديـلَ مِـنـهـا
أَلَم تَـرَ قَـرنَهـا فـي الجَـوِّ شـابا
مُـــعَـــلَّقَـــةٌ تَـــنَــظَّرُ صَــولَجــانــاً
يَــخُــرُّ عَـنِ السَـمـاءِ بِهـا لِعـابـا
تُـعَـدُّ بِهـا عَـلى الأُمَـمِ اللَيـالي
وَمـا تَـدري السِنينَ وَلا الحِسابا
وَيــا وَطَــنــي لَقَـيـتُـكَ بَـعـدَ يَـأسٍ
كَــأَنّـي قَـد لَقـيـتُ بِـكَ الشَـبـابـا
وَكُــلُّ مُــســافِــرٍ سَــيَــئوبُ يَــومــاً
إِذا رُزِقَ السَــلامَــةَ وَالإِيــابــا
وَلَو أَنّــي دُعــيــتُ لَكُــنــتَ ديـنـي
عَـلَيـهِ أُقـابِـلُ الحَـتـمَ المُـجـابا
أُديـرُ إِلَيـكَ قَـبـلَ البَـيـتِ وَجـهـي
إِذا فُهــتُ الشَهــادَةَ وَالمَــتـابـا
وَقَــد سَــبَـقَـت رَكـائِبِـيَ القَـوافـي
مُــــقَــــلَّدَةً أَزِمَّتـــَهـــا طِـــرابـــا
تَـجـوبُ الدَهـرَ نَـحـوَكَ وَالفَـيـافـي
وَتَـقـتَـحِـمُ اللَيـالِيَ لا العُـبابا
وَتُهــديــكَ الثَــنـاءَ الحُـرَّ تـاجـاً
عَــلى تــاجَـيـكَ مُـؤتَـلِقـاً عُـجـابـا
هَــدانــا ضَــوءُ ثَــغــرِكَ مِـن ثَـلاثٍ
كَــمـا تَهـدي المُـنَـوَّرَةُ الرِكـابـا
وَقَـد غَـشِـي المَـنـارُ البَـحرَ نوراً
كَــنــارِ الطــورِ جَـلَّلَتِ الشِـعـابـا
وَقــيــلَ الثَـغـرُ فَـاِتَّأـَدَت فَـأَرسَـت
فَـكـانَـت مِـن ثَـراكَ الطُهـرِ قـابـا
فَــصَــفــحــاً لِلزَمــانِ لِصُــبـحِ يَـومٍ
بِهِ أَضــحــى الزَمــانُ إِلَيَّ ثــابــا
وَحَــيّــا اللَهُ فِــتـيـانـاً سِـمـاحـاً
كَــسَـوا عِـطـفَـيَّ مِـن فَـخـرٍ ثِـيـابـا
مَـــلائِكَـــةٌ إِذا حَـــفّـــوكَ يَــومــاً
أَحَــبَّكــَ كُــلُّ مَــن تَــلقــى وَهـابـا
وَإِن حَــمَــلَتــكَ أَيــديـهِـم بُـحـوراً
بَــلَغــتَ عَــلى أَكُــفِّهـِمُ السَـحـابـا
تَــــلَقَّونــــي بِــــكُــــلِّ أَغَــــرَّ زاهٍ
كَــــأَنَّ عَــــلى أَسِــــرَّتِهِ شَهـــابـــا
تَــرى الإيــمـانَ مُـؤتَـلِقـاً عَـلَيـهِ
وَنــورَ العِـلمِ وَالكَـرَمَ اللُبـابـا
وَتَــلمَــحُ مِــن وَضــاءَةِ صَــفـحَـتَـيـهِ
مُــحَــيّــا مِــصــرَ رائِعَــةً كَــعـابـا
وَمـــا أَدَبـــي لِمــا أَســدَوهُ أَهــلٌ
وَلَكِــن مَــن أَحَــبَّ الشَــيــءَ حـابـى
شَــبــابَ النــيـلِ إِنَّ لَكُـم لَصَـوتـاً
مُــلَبّــى حــيـنَ يُـرفَـعُ مُـسـتَـجـابـا
فَهُــزّوا العَــرشَ بِـالدَعَـواتِ حَـتّـى
يُــخَــفِّفــَ عَـن كِـنـانَـتِهِ العَـذابـا
أَمِــن حَــربِ البَــســوسِ إِلى غَــلاءٍ
يَـكـادُ يُـعـيـدُهـا سَـبـعـاً صِـعـابـا
وَهَـل فـي القَـومِ يـوسُـفُ يَـتَّقـيـها
وَيُــحــسِــنُ حِــســبَـةً وَيَـرى صَـوابـا
عِــبــادَكَ رَبِّ قَــد جــاعـوا بِـمِـصـرٍ
أَنــيـلاً سُـقـتَ فـيـهِـمُ أَم سَـرابـا
حَــنـانَـكَ وَاِهـدِ لِلحُـسـنـى تِـجـاراً
بِهـا مَـلَكـوا المَـرافِقَ وَالرِقابا
وَرَقِّقــ لِلفَــقــيــرِ بِهــا قُــلوبــاً
مُـــحَـــجَّرَةً وَأَكـــبـــاداً صِـــلابـــا
أَمَــن أَكَــلَ اليَــتــيــمَ لَهُ عِـقـابٌ
وَمَـن أَكَـلَ الفَـقـيـرَ فَـلا عِـقـابا
أُصــيــبَ مِــنَ التُــجـارِ بِـكُـلِّ ضـارٍ
أَشَــدَّ مِــنَ الزَمــانِ عَـلَيـهِ نـابـا
يَـــكـــادُ إِذا غَـــذاهُ أَو كَـــســاهُ
يُــنــازِعُهُ الحَــشـاشَـةَ وَالإِهـابـا
وَتَــســمَــعُ رَحــمَــةً فــي كُــلِّ نــادٍ
وَلَســتَ تُــحِــسُّ لِلبِــرِّ اِنــتِــدابــا
أَكُــــلٌّ فــــي كِــــتــــابِ اللَهِ إِلّا
زَكـاةَ المـالِ لَيـسَـت فـيـهِ بـابـا
إِذا مـا الطـامِـعـونَ شَكَوا وَضَجّوا
فَـدَعـهُـم وَاِسـمَعِ الغَرثى السِغابا
فَــمــا يَــبــكــونُ مِـن ثُـكـلٍ وَلَكِـن
كَــمـا تَـصِـفُ المُـعَـدِّدَةُ المُـصـابـا
وَلَم أَرَ مِـثـلَ شَـوقِ الخَـيـرِ كَـسباً
وَلا كَـتِـجـارَةِ السـوءِ اِكـتِـسـابـا
وَلا كَـــأُولَئِكَ البُـــؤَســـاءِ شـــاءً
إِذا جَــوَّعــتَهــا اِنـتَـشَـرَت ذِئابـا
وَلَولا البِــرُّ لَم يُــبــعَــث رَســولٌ
وَلَم يَــحــمِــل إِلى قَــومٍ كِــتـابـا
شاركها مع اصدقائك

مشاركات الزوار

شاركنا بتعليق مفيد

الشاعر:

أحمد بن علي بن أحمد شوقي. أشهر شعراء العصر الأخير، يلقب بأمير الشعراء، مولده ووفاته بالقاهرة، كتب عن نفسه: (سمعت أبي يردّ أصلنا إلى الأكراد فالعرب) نشأ في ظل البيت المالك بمصر، وتعلم في بعض المدارس الحكومية، وقضى سنتين في قسم الترجمة بمدرسة الحقوق، وارسله الخديوي توفيق سنة 1887م إلى فرنسا، فتابع دراسة الحقوق في مونبلية، واطلع على الأدب الفرنسي وعاد سنة 1891م فعين رئيساً للقلم الإفرنجي في ديوان الخديوي عباس حلمي. وندب سنة 1896م لتمثيل الحكومة المصرية في مؤتمر المستشرقين بجينيف. عالج أكثر فنون الشعر: مديحاً، وغزلاً، ورثاءً، ووصفاً، ثم ارتفع محلقاً فتناول الأحداث الاجتماعية والسياسية في مصر والشرق والعالم الإسلامي وهو أول من جود القصص الشعري التمثيلي بالعربية وقد حاوله قبله أفراد، فنبذهم وتفرد. وأراد أن يجمع بين عنصري البيان: الشعر والنثر، فكتب نثراً مسموعاً على نمط المقامات فلم يلق نجاحاً فعاد إلى الشعر.
مولده 16-10-1868 ووفاته 14-10-1932
تصنيفات قصيدة أُنادي الرَسمَ لَو مَلَكَ الجَوابا