البيت العربي

أودعك الرحمن في غربتك
عدد ابيات القصيدة:39

أودعــك الرحــمــن فـي غـربـتـك
مـرتـقـبـاً رحـمـاه فـي أوبـتك
ومـا اخـتياري كان طوع النوى
لكــنّــنــي أجـري عـلى بـغـيـتـك
فـلا تـطـل حـبـل النـوى إنّـنـي
والله أشــتــاق إلى طــلعــتــك
مــن كـان مـفـتـونـاً بـأبـنـائه
فــإنّــنـي أمـعـنـت فـي خـبـرتـك
فـاخـتـصـر التوديع أخذاً، فما
لي نـاظـرٌ يـقـوى عـلى فـرقـتـك
واجـعـل وصـاتـي نـصـب عينٍ ولا
تـبـرح مدى الأيام من فكرتك
خــلاصــة العـمـر التـي حـنّـكـت
فــي ســاعـة زفّـت إلى فـطـنـتـك
فــــللتّـــجـــاريـــب أمـــورٌ إذا
طـالعـتـهـا تـشـحـذ مـن غـفـلتك
فــلا تـنـم عـن وعـيـهـا سـاعـةً
فــإنّهــا عــونّ إلى يــقــظــتــك
وكــلّ مـا كـابـدتـه فـي النّـوى
إيّــاك أن يــكــســر مـن هـمّـتـك
فــليــس يــدرى أصــل ذي غـربـةٍ
وإنّــمــا تــعــرف مــن شـيـمـتـك
وكــلّ مــا يــفــضــي لعـذرٍ فـلا
تـجـعله في الغربة من إربتك
ولا تــجــالس مــن فـشـا جـهـله
واقـصـد لمـن يـرغـب فـي صنعتك
ولا تـــجـــادل أبــداً حــاســداً
فـــإنّه أدعـــى إلى هــيــبــتــك
وامـش الهـويـنـا مـظـهـراً عـفّةً
وابـغ رضـى الأعـيـن عن هيئتك
أفــش التــحــيّــات إلى أهـلهـا
ونــبّه النــاس عــلى رتــبــتــك
وانـطـق بـحـيـث العـيّ مـسـتقبحٌ
واصـمـت بحيث الخير في سكتتك
ولا تــزل مــجــتــمـعـاً طـالبـاً
مـن دهـرك الفـرصـة فـي وثـبتك
وكــلّمــا أبــصــرتــهـا أمـكـنـت
ثـب واثـقـاً بـالله في مكنتك
ولج عـــلى رزقـــك مــن بــابــه
واقـصـد له ما عشت في بكرتك
وايــأس مــنــالودّ لدى حـاسـدٍ
ضــدٍّ ونــافــســه عــلى خــطّــتــك
ووفّــر الجــهــد فــمــن قــصــده
قـصـدك لا تـعـتـبـه في بغضتك
ووفّ كـــــلاًّ حـــــقّه ولتــــكــــن
تـكـسـر عـنـد الفـخر من حدّتك
ولا تــكــن تــحــقــر ذا رتـبـةٍ
فـــإنّه أنـــفــع فــي غــربــتــك
وحـيـثـمـا خـيّـمـت فـاقـصـد إلى
صـحـبـة مـن تـرجـوه فـي نـصرتك
وللرّزايـــا وثـــبــةٌ مــا لهــا
إلاّ الذي تــذخــر مــن عـدّتـك
ولا تــقــل أســلم لي وحـدتـي
فـقـد تـقـاسـي الذلّ فـي وحدتك
ولتـــزن الأحـــوال وزنــاً ولا
تـرجـع إلى مـا قـام في شهوتك
ولتــجـعـل العـقـل مـحـكّـاً وخـذ
كـلاًّ بـمـا يـظـهـر فـي نـقـدتـك
واعــتــبـر النـاس بـألفـاظـهـم
واصـحـب أخـاً يـرغـبـفـي صـحبتك
بـعـد اخـتـبـارٍ مـنك يقضي بما
يـحـسن في الأخدان من خلطتك
كــم مــن صـديـقٍ مـظـهـرٍ نـصـحـه
وفــكــره وقــفٌ عــلى عــشــرتــك
إيّـــاك أن تـــقـــربـــهــ، إنّه
عــونٌ مـع الدّهـر عـلى كـربـتـك
واقنع إذا ما لم تجد مطمعاً
واطـمـع إذا نـفّـست من عسرتك
وانــم نــمـوّ النّـبـت قـد زاره
غــبّ النـدى واسـم إلى قـدرتـك
وإن نـــبـــا دهـــرٌ فـــوطّــن له
جــأشــك وانــظــره إلى مــدّتــك
فـــــكـــــلّ ذي أمــــرٍ له دولةٌ
فــوفّ مــا وافــاك فـي دولتـك
ولا تــضــيّــع زمـنـاً مـمـكـنـاً
تــذكــاره يـذكـي لظـى حـسـرتـك
والشّـرّ مـهـمـا اسطعت لا تأته
فــإنّه حــوبٌ عــلى مــهــجــتــك
مشاركات الزوار
شاركنا بتعليق مفيد
الشاعر: موسى بن عبد الملك بن سعيد
ترجم له ابنه في كتابه المغرب قال: ( لولا أنّه والدي لأطنبت في ذكره، ووفيته من الوصف حق قدره، لكن كفاه وصفاً ما أثبتّه له في هذه الترجمة، وما مر له ويمر في أثناء هذا الكتاب، وكون كلّ من اشتغل بهذا التأليف نهراً وهو بحر، واشتهاره في حفظه التاريخ والاعتناء بالآداب في بلاده، بحيث لا يحتاج إلى تنبيه ولا إطناب، وله من النظم والنثر ما تضج الأقلام من كثرته، ويستمد القطر من درّته، وممّا شاهدت من عجائبه أنّه عاش سبعاً وستين سنة ولم أره يوماً يخلي مطالعة كتاب أو كتب ما يخلده، حتى إن أّيام الأعياد لا يخليها من ذلك، ولقد دخلت عليه في يوم عيد وهو في جهد عظيم من الكتب، فقلت له: يا سيدي، أفي هذا اليوم لا تستريح؟ فنظر إلي كالمغضب وقال: أظنك لا تفلح أبداً، أترى الراحة في غير هذا؟ والله لا أحسب راحة تبلغ مبلغها، ولوددت أن الله تعالى يضاعف عمري حتى أتم كتاب المغرب على غرضي؛ قال: فأثار ذلك في خاطري أن صرت مثله لا ألتذّ بنعيم غير ما ألتذ به من هذا الشأن، ولولا ذلك ما بلغ هذا التأليف إلى ما تراه. وكان أولع الناس بالتجول في البلدان، ومشاهدة الفضلاء، واستفادة ما يرى وما يسمع) قال المقري (وولد أبو عمران موسى بن محمد في الخامس من رجب عام ثلاثة وسبعين وخمسمائة، وتوفي بثغر الإسكندرية يوم الاثنين الثامن من شوّال عام أربعين وستمائة)