البيت العربي
خبرٌ في الأرض أوحته السما
عدد ابيات القصيدة:82
خــبـرٌ فـي الأرض أوحـتـه السـمـا
لأولي العـــلم بـــرســل الفــكــر
أنّ هــــذي الأرض كــــانــــت أولا
مــا تــرى بـحـراً بـهـا أو جـبـلا
أو ســهــولاً أو رُبــاً أو سُــبُــلا
أو ريــاضــا زهــرهـا الغـضّ نـمـا
مــن ســحــاب جــادهــا بــالمــطــر
إنــمــا كــانــت كــتـلك الأخـوات
مــــن نــــجـــوم ســـائرات دائرات
حــول شــمــس هـي إحـدى النـيـرات
كُــنّ مــن قــبــلُ عــليــهــا سـدمـا
كـــتـــلةً واحـــدة فـــي النـــظـــر
ثـم بـعـدُ انـفصلت من ذا السديم
قــطــعٌ مــنــهــا صــغــيـر وجـسـيـم
ضــمـن أفـلاك بـهـا الدورَ تـدُيـم
فــاسـتـقـرّ الكـلّ فـيـهـا أنـجـمـا
حــول غــيــر الشــمـس لم تـسـتـدر
أولاً نــبــتــون مــنــه انــفـصـلا
ثــــم اُورانِــــسُ يــــهـــدي زُحَـــلا
ثـــم للمـــشـــتـــري مــريــخٌ تــلا
ثــم هــذي الأرض فــالزهــرة مــا
بــعــدهـا غـيـر أخـيـهـا الأشـهـر
وأخــــو الزهــــرة بــــالشــــمــــس
اقــتـدى ولهـا أقـربَ سـيّـارٍ غـدا
وهــي ســارت خــلفــهَ طـول المـدى
فــأمــام الأرض ذان انــتــظــمــا
خــلفـهـا المـريّـخ ثـم المـشـتـري
أرضــنــا كــانــت لظــىً مـشـتـعـله
مــذ مــن الشــمـس غـدت مـنـفـصـله
لم تــزل فــي دورهــا مــنــتـقـله
كـتـلةً فـيـهـا اللهـيـب احـتـدمـا
وهـي تـرمـي فـي الفـضـا بـالشـرر
كـان فـيـح النـار مـنـهـا مُـصعِدا
وهـجـاً فـي الجّـو عـنـهـا مـبـعـدا
حــيــث لا يــمــكــن أن يــنــعـقـد
فــوقــهــا مــنــه بــخــار ديــمــا
هــاطــلاتِ بــالحــيــا المـنـهـمـر
بــقــيــت حــيــنــاً وهــذا أمـرهـا
وهــي بــالإشــعـاع يـخـبـو حـرّهـا
وانــثـنـى يـبـرد مـن ذا ظـهـرهـا
فـاكـتـسـت قـشـراً يـحـاكي الأدما
واســتــمــرت بــطــنــهـا فـي سـعـر
ثــم قــد صــار عــلى مـرّ الزمـان
قــشــرهــا يــغــلظ آنــاً بـعـد آن
بـيـد أن النـار عـنـد الهـيـجـان
قــد أعــادت قــشــرهــا مـنـخـرمـا
بـــصـــدوع مُـــدهـــشـــات البـــصــر
شــخــصـت أطـراف هـاتـيـك الصـدوع
بــجــبـال شـمـخـت مـنـهـا الفـروع
ولهــا فـي العـيـن أشـكـال تـروع
تــقــذف الأفــواه مـنـهـا حـمـمـا
صـــار مـــنـــهـــنّ ركــام الحــجــر
حـصـلت مـن قـذف هـاتـيـك المـواد
حــيــث يــجــمــدن جــبــال ووهــاد
وركـــــاز وصـــــخــــور وجــــمــــاد
بـــعـــضــهــا دقّ وبــعــضٌ عــظــمــا
وهـو صـلب الجـسـم صـعـب المـكـسر
وهـنـاك انـعـقـدت فـيـهـا الغيوم
مـن بـخـار كـان فـي الجـوّ يـعـوم
رّده البـرد مـيـاهـاً فـي التـخوم
فــجـرى السـيـل عـليـهـا مـفـعـمـا
كـــلّ غـــور فـــوقـــهــا مــنــحــدر
عـمّهـا السـيـل فـغـطـى حـيـن سـال
سـطـحـهـا مـجـتـرفـأ منها الرمال
فــطــمــا المــاء ولكــن الجـبـال
شـخـصـت فـي المـاء لمـا أن طـمـا
وعــلت كــالســفــن فــوق الأبـحـر
غــمــر المــاء بــهــا مــا غـمـرا
ثــم خــلّى بــعــضــهــا مــنــحـسـرا
مـحـدثـاً فـي السـطـح مـنـها جزرا
أنــزل المــاء بــهــا مـا حـطـمـا
مـــن أطـــفـــال وحـــتــات المــدر
بـسـيـول المـاء كـم فـيها ارتكم
مــن رمــال رســبــت فــيــهـا أكـم
ولكــــم خــــدّت أخــــاديـــد وكـــم
قــد بــنــت مــن طــبــقــات عـلمـا
نــضــدت فــيــهـا صـفـيـح المـرمـر
ثــم صــارت وهــي مـن قـبـل مـوات
تـصـلح الأقـطـار مـنـهـا للحـياة
فـانـبرت تنبت في البدء النبات
ثــم أبــدت مـن قـواهـا النـسـمـا
وارتــقــت فــيــهـا لنـوع البـشـر
فــغــدت إذ ذاك تـزهـو بـالريـاض
وبـهـا الأدواح تنمو في الغياض
ثــم تــرمــيــهـا أكـفّ الانـقـراض
بــانــحـطـام حـيـث تُـمـسـي فـحـمـا
حـــجـــريـــاً بـــمـــرور الأعـــصــر
مـن حـطام الخلق في الأرض هضاب
كـــوَّنـــتـــهـــن أكــفّ الانــقــلاب
مـــا تـــراب الأرض والله تــراب
إنــــمــــا ذاك حـــطـــام قـــدمـــا
مـــن جـــســوم بــاليــات الكــســر
كــم عــلى الأرض رفــاتٌ بـاليـات
مــن جــسـوم طـحـنـتـهـا الدائرات
فـاحـتفر في الأرض تلك الطبقات
تــجــد الانــقــاض فــيـهـا رمـمـا
هــــي للأحــــيــــاء أو للشـــجـــر
كــل وجــه الأرض للخــلق قــبــور
خــفّــف الوطـء عـلى تـلك الصـدور
والعـيـون النـجـلِ منهم والثغور
إنــمــا أنــت ســتــفــنـى مـثـلمـا
قـد فَـنُـوا والمـوت دامـي الظـفُر
ظـــلت الأرض عـــلى كــرّ الدهــور
تـبـحـر الأجـبـل فـيـهـا والبحور
فــوقــهــا تـجـبِـل والمـاء يـغـور
عـــلى ذاك اســـتـــدلّ الحـــكــمــا
بــجــبــال الســمــك المــسـتـحـجـر
عــلمــاء الأرض لم تــبــرح تــرى
حَــــيَــــوان البــــرّ لمـــا دثـــرا
مــنــه فـي الأبـحـر أبـقـى أثـرا
وكــذا فــي البـرّ ألفـى العـلمـا
أثـــراً مـــن حـــيـــوان الأبــحــر
كـل مـا فـي الأرض مـن قفر وبيد
وجــبــال شــهــقــت فـوق الصـعـيـد
عـن زهـاء الربـع مـنها لا يزيد
وســوى ذلك مــنــهــا انــكــتــمــا
تــحــت مــاء البـحـر لم يـنَـحـسـر
فــي صــعـيـد الأبـحـر المـنـغـمـس
مــثــلُ مــا يــوجــد فــوق اليـبـس
مـــن جـــبـــال نـــاتــئات الأرؤس
ووهــــادٍ تــــســـتـــزل القـــدمـــا
ورُبــــاً مــــخـــتـــلفـــات القـــدر
ما نرى اليوم من الماء الحميم
والبـراكـيـن التـي تحكي الجحيم
ومـن الزلزال ذي الهـول العظيم
دلّ أن الأرض فـــيـــمـــا قـــدمــا
ذات جــــرم ذائب مــــســــتــــعــــر
كــل مــا كــان بــحــال السـيـلان
فـــهـــو يــغــدو كــرةً بــالدوران
وكـذاك الأرض فـي مـاضـي الزمان
كـــرويـــاً قـــد غـــدا مــلتــئمــا
جِــرمــهــا مــن ســيـلان العـنـصـر
ثـم أن الأرض مـن قـبـل الجـمـود
وَلَدت مــنــهــا وليــسـت بـالولود
قــمــراً دار عــليــهــا بــســعــود
وجَـلا فـي الليـل عـنـهـا الظلما
فــهــي بــنــت الشـمـس أم القـمـر
مشاركات الزوار
شاركنا بتعليق مفيد
الشاعر: معروف الرصافي
شاعر العراق في عصره، من أعضاء المجمع العلمي العربي (بدمشق)، أصله من عشيرة الجبارة في كركوك، ويقال إنها علوية النسب.
ولد ببغداد، ونشأ بها في الرصافة، وتلقى دروسه الابتدائية في المدرسة الرشيدية العسكرية، ولم يحرز شهادتها.
وتتلمذ لمحمود شكري الآلوسي في علوم العربية وغيرها، زهاء عشر سنوات، واشتغل بالتعليم، ونظم أروع قصائده، في الاجتماع والثورة على الظلم قبل الدستور العثماني.
ورحل بعد الدستور إلى الأستانة، فعين معلماً للعربية في المدرسة الملكية، وانتخب نائباً عن (المنتفق) في مجلس (المبعوثان) العثماني.
وانتقل بعد الحرب العالمية الأولى إلى دمشق سنة (1918)، ورحل إلى القدس وعين مدرساً للأدب العربي في دار المعلمين بالقدس، وأصدر جريدة الأمل يومية سنة (1923) فعاشت أقل من ثلاثة أشهر، وانتخب في مجلس النواب في بغداد.
وزار مصر سنة (1936)، ثم قامت ثورة رشيد عالي الكيلاني ببغداد فكان من خطبائها وتوفي ببيته في الأعظمية ببغداد.
له كتب منها (ديوان الرصافي -ط) (دفع الهجنة - ط)
(محاضرات في الأدب العربي - ط) وغيرها الكثير.