قصيدة درجت على الكنز القرون للشاعر أحمد شوقي

البيت العربي

دَرَجَت عَلى الكَنزِ القُرون


عدد ابيات القصيدة:85


دَرَجَت عَلى الكَنزِ القُرون
دَرَجَـت عَـلى الكَنزِ القُرون
وَأَتَـت عَـلى الدَنِّ السُـنـون
خَـيـرُ السُـيـوفِ مَضى الزَما
نُ عَـلَيـهِ فـي خَـيرِ الجُفون
فــي مَــنــزِلٍ كَــمُــحَـجَّبـِ ال
غَـيـبِ اِسـتَـسَـرَّ عَـنِ الظُنون
حَـتّـى أَتـى العِـلمُ الجَـسـو
رُ فَــفَــضَّ خـاتَـمَهُ المَـصـون
وَالعِـــــلمُ بَـــــدرِيٌّ أُحِــــل
لَ لِأَهــلِهِ مــا يَــصــنَـعـون
هَـتَـكَ الحِـجـالَ عَلى الحَضا
رَةِ وَالخُـدورَ عَـلى الفُنون
وَاِنــدَسَّ كَــالمِــصــبـاحِ فـي
حُــفَــرٍ مِــنَ الأَجـداثِ جـون
حُـــجَـــرٌ مُــمَــرَّدَةُ المَــعــا
قِـلِ فـي الثَرى شُمُّ الحُصون
لا تَهـتَـدي الريـحُ الهَـبو
بُ لَها وَلا الغَيثُ الهَتون
خــانَــت أَمــانَــةَ جــارِهــا
وَالقَـبـرُ كَـالدُنـيـا يَـخون
يـا اِبـنَ الثَـواقِـبِ مِن رَعٍ
وَاِبـنَ الزَواهِـرِ مِـن أَمـون
نَــسَــبٌ عَــريـقٌ فـي الضُـحـى
بَــذَّ القَــبــائِلَ وَالبُـطـون
أَرَأَيــتَ كَــيــفَ يَــثـوبُ مِـن
غَـمـرِ القَـضـاءِ المُـغـرَقون
وَتَــــدولُ آثــــارُ القُــــرو
نِ عَلى رَحى الزَمَنِ الطَحون
حُــبُّ الخُــلودِ بَــنــى لَكُــم
خُـــلُقـــاً بِهِ تَـــتَـــفَــرَّدون
لَم يَــأخُــذِ المُــتَــقَــدِّمــو
نَ بِهِ وَلا المُــــتَــــأَخِّرون
حَـتّـى تَـسـابَقتُم إِلى الإِح
ســانِ فــيــمــا تَــعــمَــلون
لَم تَــتــرُكــوهُ فـي الجَـلي
لِ وَلا الحَقيرِ مِنَ الشُؤون
هَـذا القِـيامُ فَقُل لنا ال
يَـومُ الأَخـيـرُ مَـتـى يَـكون
البَــــعــــثُ غـــايَـــةُ زائِلٍ
فـــانٍ وَأَنـــتُـــم خـــالِدون
السَــبــقُ مِــن عــاداتِــكُــم
أَتُـرى القِـيـامَـةَ تَـسـبِقون
أَنــتُــم أَســاطـيـنُ الحَـضـا
رَةِ وَالبُـنـاةُ المُـحـسِـنـون
المُــــتـــقِـــنـــونَ وَإِنَّمـــا
يُـجـزى الخُـلودَ المُـتقِنون
أَنَــــزَلتَ حُــــفـــرَةَ هـــالِكٍ
أَم حُـجـرَةَ المَـلِكِ المَـكين
أَم فـــي مَـــكــانٍ بَــيــنَ ذَ
لِكَ يُــدهِــشُ المُــتَــأَمِّلـيـن
هُــوَ مِـن قُـبـورِ المُـتـلَفـي
نَ وَمِـن قُـصـورِ المُـتـرَفـين
لَم يَـبـقَ غـالٍ فـي الحَـضـا
رَةِ لَم يَــحُـزهُ وَلا ثَـمـيـن
مَــيــتٌ تُــحـيـطُ بِهِ الحَـيـا
ةُ زَمـــانُهُ مَـــعَهُ دَفـــيـــن
وَذَخـــائِرٌ مِـــن أَعــصُــرٍ وَل
لَت وَمِـــن دُنـــيـــا وَديـــن
حَـمَـلَت عَـلى العَـجَبِ الزَما
نَ وَأَهــلَهُ المُـسـتَـكـبِـريـن
فَـــتَـــلَفَّتــَت بــاريــسُ تَــح
سَــبُ أَنَّهـا صُـنـعُ البَـنـيـن
ذَهَـــبٌ بِـــبَــطــنِ الأَرضِ لَم
تَــذهَــب بِـلَمـحَـتِهِ القُـرون
اِســتَــحــدَثَــت لَكَ جَــنــدَلاً
وَصَــفـائِحـاً مِـنـهُ القُـيـون
وَنَـــــواوِســـــاً وَهّــــاجَــــةً
لَم يَــتَّخــِذهــا الهـامِـدون
لَو يَــفــطُـنُ المَـوتـى لَهـا
سَـرَحـوا الأَنـامِـلَ يَنبِشون
وَتَــنــازَعـوا الذَهَـبَ الَّذي
كــانــوا لَهُ يَــتَـفـاتَـنـون
أَكــــفـــانُ وَشـــيٍ فُـــصِّلـــَت
بِـرَقـائِقِ الذَهَـبِ الفَـتـيـن
قَـــد لَفَّهـــا لَفَّ الضِـــمـــا
دِ مُــــحَــــنِّطــــٌ آسٍ رَزيــــن
وَكَـــــأَنَّهـــــُنَّ كَـــــمـــــائِمٌ
وَكَــأَنَّكــَ الوَردُ الجَــنـيـن
وَبِـــــكُـــــلِّ رُكــــنٍ صــــورَةٌ
وَبِـــكُـــلِّ زاوِيَـــةٍ رَقـــيــن
وَتَـرى الدُمـى فَتَخالُها اِن
تَــثَــرَت عَـلى جَـنَـبـاتِ زون
صُـــوَرٌ تُـــريـــكَ تَـــحَــرُّكــاً
وَالأَصلُ في الصُوَرِ السُكون
وَيَـــمُـــرُّ رائِعُ صَـــمـــتِهــا
بِـالحِـسِّ كَـالنُـطـقِ المُـبين
صَــحِــبَ الزَمــانَ دِهــانُهــا
حـيـنـاً عَهـيـداً بَـعـدَ حـين
غَـــضٌّ عَـــلى طـــولِ البِـــلى
حَــيٌّ عَــلى طــولِ المَــنــون
خَــدَعَ العُــيــونَ وَلَم يَــزَل
حَــتّــى تَــحَـدّى اللامِـسـيـن
غِـلمـانُ قَـصـرِك فـي الرِكـا
بِ يُـــنـــاوِلونَ وَيَــطــرَدون
وَالبــوقُ يَهــتِــفُ وَالسِهــا
مُ تَــرِنُّ وَالقَــوسُ الحَـنـون
وَكِــــــلابُ صَـــــيـــــدِكَ لُهَّثٌ
وَالخَــيــلُ جُـنَّ لَهـا جُـنـون
وَالوَحـشُ تَـنـفُـرُ في السُهو
لِ وَتــارَةً تَــثِــبُ الحُــزون
وَالطَـيـرُ تَـرسُـفُ في الجِرا
حِ وَفــي مَـنـاقِـرِهـا أَنـيـن
وَكَـــــأَنَّ آبـــــاءَ البَــــرِي
يَـةِ فـي المَـدائِنِ مُـحضَرون
وَكَـــــــأَنَّ دَولَةَ آلِ شَـــــــم
سٍ عَــن شِــمـالِكَ وَاليَـمـيـن
مَــــلِكَ المُــــلوكِ تَـــحِـــيَّةً
وَوَلاءَ مُــحــتَــفِــظٍ أَمــيــن
هَـــذا المُـــقــامُ عَــرَفــتُهُ
وَسَــبَـقـتُ فـيـهِ القـائِليـن
وَوَقَـــفـــتُ فـــي آثـــارِكُــم
أَزِنُ الجَــلالَ وَأَســتَــبـيـن
وَبَـنَـيـتُ فـي العِـشـرينَ مِن
أَحـجـارِهـا شِـعـري الرَصـين
ســـالَت عُـــيــونُ قَــصــائِدي
وَجَـرى مِـنَ الحَـجَـرِ المَعين
أَقـــعَـــدتُ جــيــلاً لِلهَــوى
وَأَقَــمــتُ جــيــلاً آخَــريــن
كُـنـتُـم خَـيـالَ المَـجـدِ يُـر
فَــعُ لِلشَـبـابِ الطـامِـحـيـن
وَكَــم اِســتَــعَــرتَ جَـلالَكُـم
لِمُـــحَـــمَّدٍ وَالمـــالِكـــيــن
تــاجٌ تَــنَــقَّلـَ فـي الخَـيـا
لِ فَـمـا اِسـتَـقَرَّ عَلى جَبين
خَــرَزاتُهُ السَــيــفُ الصَـقـي
لُ يَـشُـدُّهُ الرُمـحُ السَـنـيـن
قُـل لي أَحـيـنَ بَـدا الثَرى
لَكَ هَـل جَـزِعتَ عَلى العَرين
آنَـسـتَ مُـلكـاً لَيـسَ بِـالشا
كـي السِـلاحِ وَلا الحَـصـين
البَـــرُّ مَـــغــلوبُ القَــنــا
وَالبَـحـرُ مَـسـلوبُ السَـفـين
لَمّــا نَــظَــرتَ إِلى الدِيــا
رِ صَـدَفـتَ بِـالقَـلبِ الحَزين
لَم تَــلقَ حَــولَكَ غَــيـرَ كَـر
تَــرَ وَالنِـطـاسِـيِّ المُـعـيـن
أَقــبَــلتَ مِـن حُـجُـبِ الجَـلا
لِ عَــلى قَــبـيـلٍ مُـعـرِضـيـن
تــاجُ الحَــضــارَةِ حـيـنَ أَش
رَقَ لَم يَــجِــدهُـم حـافِـليـن
وَاللَهُ يَــــعـــلَمُ لَم يَـــرَو
هُ مِـــن قُـــرونٍ أَربَــعــيــن
قَـسَـمـاً بِـمَـن يُـحيي العِظا
مَ وَلا أَزيــدُكَ مِـن يَـمـيـن
لَو كــانَ مِــن سَــفَــرٍ إِيــا
بُــكَ أَمـسِ أَو فَـتـحٍ مُـبـيـن
أَو كــانَ بَــعـثُـكَ مِـن دَبـي
بِ الروحِ أَو نَـبـضِ الوَتين
وَطَــلَعــتَ مِـن وادي المُـلو
كِ عَـلَيـكَ غـارُ الفـاتِـحـين
الخَــيـلُ حَـولَكَ فـي الجِـلا
لِ العَــسـجَـدِيَّةـِ يَـنـثَـنـيـن
وَعَـــلى نِـــجــادِكَ هــالَتــا
نِ مِـنَ القَـنـا وَالدارِعـين
وَالجُــنــدُ يَـدفَـعُ فـي رِكـا
بِــكَ بِــالمُــلوكِ مُــصَـفَّديـن
لَرَأَيــتَ جــيــلاً غَــيـرَ جـي
لِكَ بِـالجَـبـابِـرِ لا يَـديـن
وَرَأَيــتَ مَــحــكــومــيـنَ قَـد
نَـصَـبـوا وَرَدّوا الحـاكِمين
روحُ الزَمــــانِ وَنَــــظــــمُهُ
وَسَــبــيــلُهُ فــي الآخَـريـن
إِنَّ الزَمـــــــانَ وَأَهـــــــلَهُ
فَـرَغـا مِـنَ الفَـردِ اللَعين
فَــإِذا رَأَيــتَ مَــشــايِــخــاً
أَو فِــتــيَــةً لَكَ ســاجِـديـن
لاقِ الزَمــانَ تَــجِــدهُــمــو
عَــن رَكــبِهِ مُــتَــخَــلِّفــيــن
هُــم فــي الأَواخِـرِ مَـولِداً
وَعُــقــولُهُــم فـي الأَوَّليـن
شاركها مع اصدقائك

مشاركات الزوار

شاركنا بتعليق مفيد

الشاعر:

أحمد بن علي بن أحمد شوقي. أشهر شعراء العصر الأخير، يلقب بأمير الشعراء، مولده ووفاته بالقاهرة، كتب عن نفسه: (سمعت أبي يردّ أصلنا إلى الأكراد فالعرب) نشأ في ظل البيت المالك بمصر، وتعلم في بعض المدارس الحكومية، وقضى سنتين في قسم الترجمة بمدرسة الحقوق، وارسله الخديوي توفيق سنة 1887م إلى فرنسا، فتابع دراسة الحقوق في مونبلية، واطلع على الأدب الفرنسي وعاد سنة 1891م فعين رئيساً للقلم الإفرنجي في ديوان الخديوي عباس حلمي. وندب سنة 1896م لتمثيل الحكومة المصرية في مؤتمر المستشرقين بجينيف. عالج أكثر فنون الشعر: مديحاً، وغزلاً، ورثاءً، ووصفاً، ثم ارتفع محلقاً فتناول الأحداث الاجتماعية والسياسية في مصر والشرق والعالم الإسلامي وهو أول من جود القصص الشعري التمثيلي بالعربية وقد حاوله قبله أفراد، فنبذهم وتفرد. وأراد أن يجمع بين عنصري البيان: الشعر والنثر، فكتب نثراً مسموعاً على نمط المقامات فلم يلق نجاحاً فعاد إلى الشعر.
مولده 16-10-1868 ووفاته 14-10-1932
تصنيفات قصيدة دَرَجَت عَلى الكَنزِ القُرون