قصيدة شيعت أحلامي بقلب باك للشاعر أحمد شوقي

البيت العربي

شَيَّعتُ أَحلامي بِقَلبٍ باكِ


عدد ابيات القصيدة:51


شَيَّعتُ أَحلامي بِقَلبٍ باكِ
شَـــيَّعـــتُ أَحـــلامـــي بِــقَــلبٍ بــاكِ
وَلَمَـحـتُ مِـن طُـرُقِ المِـلاحِ شِـبـاكـي
وَرَجَـــعـــتُ أَدراجَ الشَــبــابِ وَوَردِهِ
أَمــشــي مَـكـانَهُـمـا عَـلى الأَشـواكِ
وَبِـــجـــانِــبــي واهٍ كَــأنَّ خُــفــوقَهُ
لَمّــا تَــلَفَّتــَ جَهــشَــةُ المُـتَـبـاكـي
شـاكـي السِـلاحِ إِذا خَـلا بِـضُـلوعِهِ
فَــإِذا أُهــيــبَ بِهِ فَــلَيــسَ بِــشــاكِ
قَــد راعَهُ أَنّــي طَــوَيــتُ حَــبــائِلي
مِــن بَــعــدِ طــولِ تَــنــاوُلٍ وَفِـكـاكِ
وَيــحَ اِبــنِ جَـنـبـي كُـلُّ غـايَـةِ لَذَّةٍ
بَــعــدَ الشَــبــابِ عَـزيـزَةُ الإِدراكِ
لَم تُــبــقِ مِــنّــا يـا فُـؤادُ بَـقِـيَّةً
لِفُــــتُــــوَّةٍ أَو فَــــضــــلَةٌ لِعِــــراكِ
كُــنّـا إِذا صَـفَّقـتَ نَـسـتَـبِـقُ الهَـوى
وَنَــشُــدُّ شَــدَّ العُــصــبَــةِ الفُــتّــاكِ
وَاليَــومَ تَـبـعَـثُ فِـيَّ حـيـنَ تَهَـزُّنـي
مـا يَـبـعَـثُ النـاقـوسُ فـي النُـسّاكِ
يـا جـارَةَ الوادي طَـرِبـتُ وَعاوَدَني
مــا يُــشــبِهُ الأَحــلامَ مِـن ذِكـراكِ
مَثَّلتُ في الذِكرى هَواكِ وَفي الكَرى
وَالذِكـرَيـاتُ صَـدى السِـنينِ الحاكي
وَلَقَـد مَـرَرتُ عَـلى الرِيـاضِ بِـرَبـوَةٍ
غَــنّــاءَ كُــنــتُ حِــيــالَهــا أَلقــاكِ
ضَــحِــكَــت إِلَيَّ وُجــوهُهـا وَعُـيـونُهـا
وَوَجَـــدتُ فـــي أَنـــفـــاسِهــا رَيّــاكِ
فَـذَهـبـتُ فـي الأَيّـامِ أَذكُـرُ رَفرَفاً
بَــيــنَ الجَــداوِلِ وَالعُــيـونِ حَـواكِ
أَذَكَـرتِ هَـروَلَةَ الصَـبـابَـةِ وَالهَـوى
لَمّـــا خَـــطَــرتِ يُــقَــبِّلــانِ خُــطــاكِ
لَم أَدرِ ماطيبُ العِناقِ عَلى الهَوى
حَـــتّـــى تَــرَفَّقــَ ســاعِــدي فَــطــواكِ
وَتَــأَوَّدَت أَعــطــافُ بـانِـكِ فـي يَـدي
وَاِحــمَــرَّ مِــن خَــفــرَيــهِــمـا خَـدّاكِ
وَدَخَـلتُ فـي لَيـلَيـنِ فَـرعِـكِ وَالدُجى
وَلَثَــمــتُ كَــالصُــبـحِ المُـنَـوِّرِ فـاكِ
وَوَجـدتُ فـي كُـنـهِ الجَـوانِـحِ نَـشـوَةً
مِــن طــيـبِ فـيـكِ وَمِـن سُـلافِ لَمـاكِ
وَتَــعَــطَّلـَت لُغَـةُ الكَـلامِ وَخـاطَـبَـت
عَــيــنَــيَّ فـي لُغَـةِ الهَـوى عَـيـنـاكِ
وَمَــحَــوتُ كُــلَّ لُبــانَـةٍ مِـن خـاطِـري
وَنَــســيــتُ كُــلَّ تَــعــاتُـبٍ وَتَـشـاكـي
لا أَمـسَ مِـن عُـمـرِ الزَمانِ وَلا غَدٌ
جُــمِــعَ الزَمــانُ فَـكـانَ يَـومَ رِضـاكِ
لُبــنـانُ رَدَّتـنـي إِلَيـكَ مِـنَ النَـوى
أَقــــدارُ سَـــيـــرٍ لِلحَـــيـــاةِ دَراكِ
جَـمَـعَـت نَـزيـلَي ظَهـرِهـا مِـن فُـرقَـةٍ
كُـــــرَةٌ وَراءَ صَـــــوالِجِ الأَفــــلاكِ
نَــمــشـي عَـلَيـهـا فَـوقَ كُـلِّ فُـجـاءَةٍ
كَــالطَــيـرِ فَـوقَ مَـكـامِـنِ الأَشـراكِ
وَلَو أَنَّ بِـالشَـوقُ المَـزارُ وَجَـدتَني
مُـلقـى الرِحـالِ عَـلى ثَراكِ الذاكي
بِــنــتَ البِــقــاعِ وَأُمَّ بَــردونِـيَّهـا
طــيــبــي كَــجِــلَّقَ وَاِسـكُـبـي بَـرداكِ
وَدِمَــشــقُ جَــنّــاتُ النَـعـيـمِ وَإِنَّمـا
أَلفَـــيـــتُ سُـــدَّةَ عَـــدنِهِـــنَّ رُبـــاكِ
قَـسَـماً لَوِ اِنتَمَتِ الجَداوِلُ وَالرُبا
لَتَهَــــلَّلَ الفِـــردَوسُ ثُـــمَّ نَـــمـــاكِ
مَـــرآكِ مَـــرآهُ وَعَـــيـــنُــكِ عَــيــنُهُ
لِم يــا زُحَــيــلَةُ لا يَــكـونُ أَبـاكِ
تِــلكَ الكُــرومُ بَــقِــيَّةـٌ مِـن بـابِـلٍ
هَــيــهــاتَ نَــســيَ البـابِـلِيِّ جَـنـاكِ
تُـبـدي كَـوَشـيِ الفُـرسِ أَفـتَـنَ صِـبغَةٍ
لِلنــــاظِـــريـــنَ إِلى أَلَذِّ حِـــيـــاكِ
خَــرَزاتِ مِـسـكٍ أَو عُـقـودَ الكَهـرَبـا
أودِعـــنَ كـــافــوراً مِــنَ الأَســلاكِ
فَـكَّرتُ فـي لَبَـنِ الجِـنـانِ وَخَـمـرِهـا
لَمّـــا رَأَيـــتُ المـــاءَ مَـــسَّ طِــلاكِ
لَم أَنــسَ مِـن هِـبَـةِ الزَمـانِ عَـشِـيَّةً
سَــلَفَــت بِــظِــلِّكِ وَاِنــقَــضَـت بِـذَراكِ
كُـنـتِ العَـروسَ عَـلى مَـنَـصَّةـِ جِـنحِها
لُبـنـانُ فـي الوَشـيِ الكَـريـمِ جَلاكِ
يَمشي إِلَيكِ اللَحظُ في الديباجِ أَو
فـي العـاجِ مِـن أَيِّ الشِـعـابِ أَتـاكِ
ضَــمَّتــ ذِراعَــيـهـا الطَـبـيـعَـةُ رِقَّةً
صِــنّــيــنَ وَالحَــرَمـونَ فَـاِحـتَـضَـنـاكِ
وَالبَـدرُ فـي ثَـبَـجِ السَـمـاءِ مُـنَـوِّرٌ
ســالَت حُــلاهُ عَــلى الثَـرى وَحُـلاكِ
وَالنَــيِّراتُ مِــنَ السَــحــابِ مُــطِــلَّةٌ
كَــالغــيــدِ مِــن سِــتـرٍ وَمِـن شُـبّـاكِ
وَكَـــأَنَّ كُـــلَّ ذُؤابَـــةٍ مِـــن شــاهِــقٍ
رُكــنُ المَــجــرَّةِ أَو جِــدارُ سِــمــاكِ
سَــكَــنَــت نَــواحـي اللَيـلِ إِلّا أَنَّةً
فــي الأَيــكِ أَو وَتَـراً شَـجِـيَ حِـراكِ
شَــرَفــاً عَــروسَ الأَرزِ كُــلُّ خَـريـدَةٍ
تَــحـتَ السَـمـاءِ مِـنَ البِـلادِ فِـداكِ
رَكَــزَ البَــيــانُ عَــلى ذَراكِ لِوائَهُ
وَمَــشـى مُـلوكُ الشِـعـرِ فـي مَـغـنـاكِ
أُدَبـاؤُكِ الزُهـرُ الشُـمـوسُ وَلا أَرى
أَرضــاً تَــمَــخَّضــُ بِــالشُــمـوسِ سِـواكِ
مِــن كُــلِّ أَروَعَ عِــلمُهُ فــي شِــعــرِهِ
وَيَــــراعُهُ مِــــن خُــــلقِهِ بِـــمَـــلاكِ
جَــمـعَ القَـصـائِدَ مِـن رُبـاكِ وَرُبَّمـا
سَــرَقَ الشَـمـائِلَ مِـن نَـسـيـمِ صَـبـاكِ
مـوسـى بِبابِكِ في المَكارِمِ وَالعُلا
وَعَــصـاهُ فـي سِـحـرِ البَـيـانِ عَـصـاكِ
أَحـلَلتِ شِـعري مِنكِ في عُليا الذُرا
وَجَـــمَـــعـــتِهِ بِـــرِوايَــةِ الأَمــلاكِ
إِن تُـكـرِمـي يـا زَحـلُ شِـعـري إِنَّنـي
أَنــــكَــــرتُ كُـــلَّ قَـــصـــيـــدَةٍ إِلّاكِ
أَنــتِ الخَــيــالُ بَــديــعُهُ وَغَـريـبُهُ
اللَهُ صـــــاغَـــــكِ وَالزَمــــانُ رَواكِ
شاركها مع اصدقائك

مشاركات الزوار

شاركنا بتعليق مفيد

الشاعر:

أحمد بن علي بن أحمد شوقي. أشهر شعراء العصر الأخير، يلقب بأمير الشعراء، مولده ووفاته بالقاهرة، كتب عن نفسه: (سمعت أبي يردّ أصلنا إلى الأكراد فالعرب) نشأ في ظل البيت المالك بمصر، وتعلم في بعض المدارس الحكومية، وقضى سنتين في قسم الترجمة بمدرسة الحقوق، وارسله الخديوي توفيق سنة 1887م إلى فرنسا، فتابع دراسة الحقوق في مونبلية، واطلع على الأدب الفرنسي وعاد سنة 1891م فعين رئيساً للقلم الإفرنجي في ديوان الخديوي عباس حلمي. وندب سنة 1896م لتمثيل الحكومة المصرية في مؤتمر المستشرقين بجينيف. عالج أكثر فنون الشعر: مديحاً، وغزلاً، ورثاءً، ووصفاً، ثم ارتفع محلقاً فتناول الأحداث الاجتماعية والسياسية في مصر والشرق والعالم الإسلامي وهو أول من جود القصص الشعري التمثيلي بالعربية وقد حاوله قبله أفراد، فنبذهم وتفرد. وأراد أن يجمع بين عنصري البيان: الشعر والنثر، فكتب نثراً مسموعاً على نمط المقامات فلم يلق نجاحاً فعاد إلى الشعر.
مولده 16-10-1868 ووفاته 14-10-1932
تصنيفات قصيدة شَيَّعتُ أَحلامي بِقَلبٍ باكِ