قصيدة على أي الجنان بنا تمر للشاعر أحمد شوقي

البيت العربي

عَلى أَيِّ الجِنانِ بِنا تَمُرُّ


عدد ابيات القصيدة:54


عَلى أَيِّ الجِنانِ بِنا تَمُرُّ
عَــلى أَيِّ الجِــنــانِ بِـنـا تَـمُـرُّ
وَفــي أَيِّ الحَــدائِقِ تَــســتَــقِــرُّ
رُوَيــداً أَيُّهــا الفُــلكُ الأَبَــرُّ
بَـلَغـتَ بِـنـا الرُبـوعَ فَـأَنتَ حُرُّ
سَهِــرتَ وَلَم تَــنَـم لِلرَكـبِ عَـيـنُ
كَــأَن لَم يُــضــوِهِـم ضَـجَـرٌ وَأَيـنُ
يَــحُــثُّ خُــطــاكَ لُجٌّ بَــل لُجَــيــنُ
بَــلِ الإِبــريــزُ بَــل أُفـقٌ أَغَـرُّ
عَـلى شِـبـهِ السُهـولِ مِنَ المِياهِ
تُـحـيـطُ بِـكَ الجَـزائِرُ كَـالشِياهِ
وَأَنــتَ لَهُــنَّ راعٍ ذو اِنــتِـبـاهِ
تَــكُــرُّ مَــعَ الظَــلامِ وَلا تَـفِـرُّ
يُـنـيـفُ البَـدرُ فَـوقَـكَ بِالهَباءِ
رَفـيـعاً في السُمُوِّ بِلا اِنتِهاءِ
تَـخـالُكُما العُيونُ إِلى اِلتِقاءِ
وَدونَ المُــلتَــقــى كَــونٌ وَدَهــرُ
إِلى أَن قــيـلَ هَـذا الدَردَنـيـلُ
فَـسِـرتَ إِلَيـهِ وَالفَـجـرُ الدَليـلُ
يُــجــيــزُكَ وَالأَمـانُ بِهِ سَـبـيـلُ
إِذا هُـوَ لَم يُـجِـز فَـالماءُ خَمرُ
تَـمُـرُّ مِـنَ المَـعـاقِـلِ وَالجِـبـالِ
بِــعــالٍ فَــوقَ عــالٍ خَـلفَ عـالي
إِذا أَومَـــأنَ وَقَّفـــَتِ اللَيــالي
وَتَـحـمـي الحـادِثـاتُ فَـلا تَـمُـرُّ
مَــدافِــعُ بَــعـضَهـا مُـتَـقـابِـلاتُ
وَمِـنـهـا الصـاعِـداتُ النـازِلاتُ
وَمِــنـهـا الظـاهِـراتُ وَأُخـرَيـاتُ
تَـوارى فـي الصُـخـورِ وَتَـسـتَـسِـرُّ
فَـلَو أَنَّ البِـحـارَ جَـرَت مِـئيـنا
وَكــانَ اللُجُّ أَجــمَــعُهُ سَـفـيـنـا
لِتَـلقـى مَـنـفَـذاً لَلَقـيـنَ حَـينا
وَلَمّــا يَــمــسَــسِ البــوغـازَ ضُـرُّ
وَبَـعـدَ الأَرخَـبـيـلُ وَمـا يَـليـهِ
وَتــيــهٍ فــي العَــيــالِمِ تــيــهِ
بَـدا ضَـوءُ الصَـبـاحِ فَـسِـرتَ فيهِ
إِلى البُـسـفـورِ وَاِقـتَرَبَ المَقَرُّ
تُـسـايِـرُكَ المَـدائِنُ وَالأَنـاسـي
وَفُـــلكٌ بَـــيـــنَ جَـــوّالٍ وَراســي
وَتَـحـضُـنُـكَ الجَـزائِرُ وَالرَواسـي
وَتَــجــري رِقَّةــً لَكَ وَهــيَ صَــخــرُ
تَـسـيرُ مِنَ الفَضاءِ إِلى المَضيقِ
فَــآنــاً أَنــتَ فــي بَـحـرٍ طَـليـقِ
وَآوِنَـــةً لَدى مَـــجــرىً سَــحــيــقٍ
كَـمـا الشَـلّالُ قـامَ لَدَيـهِ نَهـرُ
وَتَـأَتـي الأُفـقَ تَـطـويـهِ سِـجِـلّاً
لِآخَـــرَ كَـــالسَــرابِ إِذا أَضَــلّا
إِذا قُـلنـا المَـنـازِلُ قيلَ كَلّا
فَــدونَ بُــلوغِهــا ظُهــرٌ وَعَــصــرُ
إِلى أَن حَـلَّ فـي الأَوجِ النَهارُ
وَلِلرائي تَـــبَـــيَّنـــَتِ الدِيـــارُ
فَـقُـلنـا الشَـمسُ فيها أَم نُضارُ
وَيـــــاقـــــوتٌ وَمُــــرجــــانٌ وَدُرُّ
وَدِدنـا لَو مَـشَيتَ بِنا الهُوَينا
وَأَيــنَ الخُــلودُ لَدَيــكَ أَيــنــا
لِنَـبـهَـجَ خـاطِـراً وَنَـقَـرَّ عَـيـنـاً
بِـأَحـسَنِ ما رَأى في البَحرِ سَفرُ
بِــلَوحٍ جــامِـعِ الصُّوَرِ الغَـوالي
وَديـــوانٍ تَـــفَــرَّدَ بِــالخَــيــالِ
وَمِــرآةِ المَــنـاظِـرِ وَالمَـجـالي
تَـمُـرُّ بِهـا الطَـبـيـعَـةُ مـا تَمُرُّ
فَــضــاءٌ مُــثِّلــَ الفِــردَوسُ فـيـهِ
وَمَـرأَىً فـي البِـحـارِ بِلا شَبيهِ
فَـإيـهٍ يـا بَـنـاتِ الشِـعـرِ إيـهِ
فَـمـالَكِ فـي عُـقـوقِ الشِـعرِ عُذرُ
لِأَجــلِكِ سِــرتُ فــي بَــرٍّ وَبَــحــرِ
وَأَنــتِ الدَهـرَ أَنـتِ بِـكُـلِّ قُـطـرِ
حَـنَـنـتِ إِلى الطَـبيعَةِ دونَ مِصرِ
وَقُـلتِ لَدى الطَـبـيـعَةِ أَينَ مِصرُ
فَهَــلّا هَــزَّكِ التِــبــرُ المُــذابُ
وَهَـذا اللَوحُ وَالقَـلَمُ العُـجـابُ
وَمـا بَـيـنـي وَبَـيـنَهُـمـا حِـجـابُ
وَلا دونــي عَـلى الآيـاتِ سِـتـرُ
جِهـــاتٌ أَم عَـــذارى حـــالِيـــاتُ
وَمـــاءٌ أَم سَـــمــاءٌ أَم نَــبــاتُ
وَتِـــــلكَ جَـــــزائِرٌ أَم نَــــيِّراتُ
وَكَــيــفَ طُـلوعُهـا وَالوَقـتُ ظُهـرُ
جَـلاهـا الأُفـقُ صُـفراً وَهيَ خُضرُ
كَــزَهــرٍ دونَهُ فــي الرَوضِ زَهــرُ
لَوى نَــحــرٌ بِهــا وَاِلتَــفَّ بَـحـرُ
كَـمـا مَـلَكَـت جِهـاتِ الدَوحِ غُـدرُ
تَـلوحُ بِهـا المَـسـاجِـدُ بـاذِخاتِ
وَتَــتَّصــِلُ المَــعــاقِـلُ شـامِـخـاتُ
طِـبـاقـاً فـي العُـلى مُـتَفاوِتاتِ
سَــمــا بَــرٌّ بِهــا وَاِنــحَــطَّ بَــرُّ
وَكَـــم أَرضٍ هُـــنــالِكَ فَــوقَ أَرضِ
وَرَوضٍ فَــــــوقَ رَوضٍ فَــــــوقَ رَوضِ
وَدورٍ بَــعــضُهــا مِـن فَـوقِ بَـعـضِ
كَـسَـطـرٍ فـي الكِـتـابِ عَلاهُ سَطرِ
سُــطــورٌ لا يُــحــيــطُ بِهِـنَّ رَسـمٌ
وَلا يُــحــصــي مَـعـانـيـهِـنَّ عِـلمُ
إِذا قُـرِئَت جَـمـيـعـاً فَهـيَ نَـظـمُ
وَإِن قُــرِئَت فُــرادى فَهــيَ نَـثـرُ
تَـأَرَّجُ كُـلَّمـا اِقـتَـرَبَـت وَتَـزكـو
وَيَــجــمَــعُهـا مِـنَ الآفـاقِ سِـلكُ
تُـشـاكِـلُ مـا بِهِ فَـالقَـصـرُ فُـلكُ
عَــلى بُـعـدٍ لَنـا وَالفُـلكُ قَـصـرُ
وَنـونٌ دونَهـا فـي البَـحـرِ نـونُ
مِـنَ البُـسـفـورِ نَـقَّطـَها السَفينُ
كَـأَنَّ السُـبـلَ فـيـهِ لَنـا عُـيـونٌ
وَإِنــســانُ السَـفـيـنَـةِ لا يَـقِـرُّ
هُـنـالِكَ حَـفَّتـِ النُـعـمـى خُـطانا
وَحـاطَـتـنـا السَلامَةُ في حِمانا
فَـأَلقَـيـنـا المَراسِيَ وَاِحتَوانا
بِــنــاءٌ لِلخِــلافَــةِ مُــشــمَــخِــرُّ
فَيا مَن يَطلُبِ المَرأى البَديعا
وَيَـعـشَـقـهُ شَهـيـداً أَو سَـمـيـعـا
رَأَيـتَ مَـحـاسِـنَ الدُنـيـا جَميعاً
فَهُـنَّ الواوُ وَالبُـسـفـورُ عَـمـرو
شاركها مع اصدقائك

مشاركات الزوار

شاركنا بتعليق مفيد

الشاعر:

أحمد بن علي بن أحمد شوقي. أشهر شعراء العصر الأخير، يلقب بأمير الشعراء، مولده ووفاته بالقاهرة، كتب عن نفسه: (سمعت أبي يردّ أصلنا إلى الأكراد فالعرب) نشأ في ظل البيت المالك بمصر، وتعلم في بعض المدارس الحكومية، وقضى سنتين في قسم الترجمة بمدرسة الحقوق، وارسله الخديوي توفيق سنة 1887م إلى فرنسا، فتابع دراسة الحقوق في مونبلية، واطلع على الأدب الفرنسي وعاد سنة 1891م فعين رئيساً للقلم الإفرنجي في ديوان الخديوي عباس حلمي. وندب سنة 1896م لتمثيل الحكومة المصرية في مؤتمر المستشرقين بجينيف. عالج أكثر فنون الشعر: مديحاً، وغزلاً، ورثاءً، ووصفاً، ثم ارتفع محلقاً فتناول الأحداث الاجتماعية والسياسية في مصر والشرق والعالم الإسلامي وهو أول من جود القصص الشعري التمثيلي بالعربية وقد حاوله قبله أفراد، فنبذهم وتفرد. وأراد أن يجمع بين عنصري البيان: الشعر والنثر، فكتب نثراً مسموعاً على نمط المقامات فلم يلق نجاحاً فعاد إلى الشعر.
مولده 16-10-1868 ووفاته 14-10-1932
تصنيفات قصيدة عَلى أَيِّ الجِنانِ بِنا تَمُرُّ