البيت العربي

غيوم
عدد ابيات القصيدة:163

غيوم
غيوم يا غيوم
يا صُعداء الحالمين وراء النوافذ
غيوم يا غيوم
علِّميني فرَحَ الزوال
هل يحِبّ الرجل ليبكي أم ليفرح
وهل يعانق لينتهي أم ليبدأ
لا أسألُ لأُجاب بل لأصرخ في سجون المعرفة
ليس للإنسان أن ينفرج بدون غيوم
ولا أن يظفر بدون جِزْية
لا أعرف من قسَّم هذه الأقدارومع هذا فإن قَدَري أن ألعب ضدّها
هـلـمّـــي يا ليّنتي وقاسيتي
يا وجهَ وجوه المرأة الواحدة
يا خرافةَ هذياني
يا سلطانةَ الخيال وفريستَه
يا مسابِقةَ الشعور والعدد
هلمّي الى الثواني المختلجة نسرق ما ليس لأحد سوانا
وهْمُكِ أطيبُ من الحياة وسرابُكِ أقوى من الموت
إسألني يا الله ماذا تريد أن تعرف
أنا أقول لك
كلُّ اللعنات تغسلها أعجوبة اللقاء
وجمْرُ عينيكِ يا حبيبتي يُعانق شياطيني
تُنزلينني الى ما وراء الماء
وتُصعدينني أعلى من الحريّة
أُغمض عليكِ عمري وقمري فلا تخونني أحلام
يا نبعَ الغابات الداخليّة
يا نعجةَ ذئبي الكاسرة
مَن يخاف على الحياة وملاكُ الرغبةِ ساهرٌ يَضحك
لا يولد كلَّ يوم أحدٌ في العالم
لا يولد غيرُ عيونٍ تفتِنُ العيون
نظرةٌ واحدة
نظرة
وعيناكِ الحاملتان سلامَ الخطيئة
تمحوان ذاكرة الخوف
وتُسيّجان سهولة الحصول بزوبعة السهولة
أيّتها الغلافُ الحليبيُّ للقوَّة
يا ظاهرَ البحر وخَفيّ القمر
يا طُمأنينةَ الغَرَق
يا تعادُلَ حلمي وحركاتكِ وخيبتي وادهاشكِ
يا فوحَ الجذورِ الممسكة بزمام الأرض
أيّتها الصغيرةُ المحمَّلةُ عبءَ التعويض عن الموت
عن الحياة وعن الموت
أيّتها المحجَّبةُ بعُريها
أيّتها الملتبسةُ مع عطرها
أيّتها الملتبسُ عطرُها مع ضالّتي
أيّتها الملتبسةُ مع ظلّها
أيّتها الملتبسُ ظلَّها مع جسدي
أيّتها الملتبسةُ مع شَعرها
أيّتها الملتبسُ شَعرُها مع أجنحتي
أيّتها الملتبسةُ مع مجونها
أيّتها الملتبسُ مجونُها مع حريّتي
أيّتها الملتبسةُ مع عذوبتها
أيّتها الملتبسةُ عذوبتُها مع شراهتي
أيّتها الملتبسةُ مع صوتها
أيّتها الملتبسُ صوتُها مع نومي
أيّتها الملتبسةُ مع ثوبها
أيّتها الملتبسُ ثوبُها مع حنيني
أيّتها الملتبسةُ مع مرحها
أيّتها الملتبسُ مرحُها مع حَسَدي
أيّتها الملتبسةُ مع فخذيها
أيّتها الملتبسة ُفخذاها مع تجدّدي
أيّتها الملتبسةُ مع صمتها
أيّتها الملتبسُ صمتُها مع انتظاري
أيّتها الملتبسةُ مع صبرها
أيّتها الملتبسُ صبرُها مع بلادي
أيّتها الملتبسةُ مع أشكالها
أيّتها الملتبسةُ أشكالُها مع روحي
أيّتها الملتبسةُ مع نصف عُريها
أيّتها الملتبسُ نصفُ عريها مع أملي
مع أمل دوام الحُمّى
أيّتها الَتي أُغمضُ عليها إرادتي واستسلامي
لمْ تقولي إننا غريبان
لأنكِ تعرفين كم لنا توائم
في كلّ من يذهب وراء عينيه
وأخافكِ
كيف لرجلٍ أن يعشق مُخيفه
من يدفع بالدافىء الى الصقيع وبالمستظلّ الى الهاجرة
من يقذف بالصغير الى الخارج ويحرم الرضيع التهامَ أمّه
ولِمَ يحلُّ وقتُ السوء ولِمَ يُنهَش الصدر
ليس للإنسان أن ينفرج بدون غيوم ولا أن يظفر بدون جزية
فليكن للقَدَر حكمته ستكون لي حكمتي
وليكن للقَدَر قضاؤه ستكون لي رحمتي
لم يخلّصنا يا حبيبتي إلاّ الجنون
شبَكتُكِ ألْهَتني عن الحياة
ولهوُكِ حماني
قيودُ يديكِ طوّقتْ قلبي بالغناء
وجمرُ عينيكِ عانق شياطيني
لنفسي لونُ عيونِ قتلى الذات
المدمَّرين وراءَ بابٍ ما
ابتسامةٍ ما
خيانةٌ دوماًخيانةٌ لا تُطاق
أفدحُ من أيِّ فقْد
خيانةٌ تسلبكَ عمركَ
تسلبكَ أمّكَ وأباك
تسلبكَ أرضكَ وسماءك
خيانةٌ يا إلهي أكبرُ من حضنكَ
ولا أحد يستطيع شيئاً
لا أحد يستطيع شيئاً
في وقت من الأوقات لم يكن أحد
كان الهواءُ يتنفّس من الأغصان
والماء يترك الدنيا وراءه
كانت الأصوات والأشكال أركاناً للحلم
ولم يكن أحد
لم يكن أحد إلاّ وله أجنحة
وما كان لزومٌ للتخفّي
ولا للحبّ
ولا للقتل
كان الجميعُ ولم يكن أحد
أحدٌ لم يكن كاسراً
كانت الأمُّ فوق الجميع
وكان الولد بأجنحته
وصاعقاً
أعلن الألمُ المميت أنه هنا
في الداخل الليّن ولم يكن يراه أحد
وانبرى يَبْري
ثم يَهيل التراب على الوجه
على العينين
على الغمامة التميمة
ولم يبقَ من تلك الكروم
إلاّ ذكرى أستعيدُها أو تستعيدُني
تارةً أقتُلُ وطوراً أُقتَل
والشرُّ إمّا في ظهري وإما في قلبي
رفعتُ قبضتي في وجه السماء
لعنتُ وجدّفت
ولكنْ قلْ لي كيف أنتهي
من جحيم السماء بين ضلوعي
لم يُخلّصنا يا حبيبتي إلاّ الجنون
حين طفرنا الى الضياع النضير
والتقينا ظلالنا
فأضاءتنا عتماتُنا
وصارت أحضانُنا موجاً للرياح
الشاعر هو المتوحّش ليحمي طفولتنا
الملحّن هو الأصمّ لكي يُسمِع
المصوّر هو الأعمى لكي يُري
الراقص هو المتجمّد لكي نطير
لا يَحضر إلاّ ما يغيب
ولا يغيب إلاّ ما يُحضِر
فلأغبْ في شرود المساء
فلتبتلعني هاويةُ عينيّ
أيُّ صلاةٍ تُنجّي
كلُّ صلاةٍ تُنَجّي
والرغبة صلاةُ دمِ الروح
الرغبة وجه الله فوق مجهولَين
ونداءُ المجهولِ أن يُعطى ويـظــلّ مجهولاً
الرغبةُ نداءُ الفريسة للفريسة
نداءُ الصيّاد للصيّاد
نداءُ الجلاّد للجلاّد
الرغبةُ صلاةُ دمِ الروح
فَرَسُها الفرسُ المجنّحة
وجناحاها
جناحا خلاصٍ في قبضة اليد
غيومُ يا غيوم
رسمتُ فوق الفراغ قوسَ غمامي
قوسَ غمامنا أيّها الحبّ
قوسَ غمام المعجزة اليوميّة
غيوم يا غيوم
يا هودجَ الأرواح
جسدي يمشي وراءكِ يمشي أمامكِ
يتوارى فيكِ
غيوم يا غيوم
باركي الملعونَ السائرَ حتّى النهاية
باركينيِ
علِّميني فَرَحَ الزوال
مشاركات الزوار
شاركنا بتعليق مفيد
الشاعر: أنسي الحاج
تعلّم في مدرسة الليسه الفرنسية ثم في معهد الحكمة، بدأ ينشر قصصاً قصيرة وأبحاثاً وقصائد منذ 1954 في المجلّات الأدبية وهو على مقاعد الدراسة الثانوية.
دخل الصحافة اليومية (جريدة "الحياة" ثم "النهار") محترفاً عام 1956، كمسؤول عن الصفحة الأدبية. ولم يلبث أن استقر في "النهار" حيث حرّر الزوايا غير السياسية سنوات ثم حوّل الزاوية الأدبية اليومية إلى صفحة أدبية يومية.
عام 1964 أصدر "الملحق" الثقافي الاسبوعي عن جريدة النهار وظلّ يصدره حتى 1974. وعاونه في النصف الأول من هذه الحقبة شوقي أبي شقرا.
عام 1957 ساهم مع يوسف الخال وأدونيس في تأسيس مجلة شعر وعام 1960 أصدر في منشوراتها ديوانه الأول "لن"، وهو أول مجموعة قصائد نثر في اللغة العربية.
له ستّ مجموعات شعرية: "لن" 1960، "الرأس المقطوع" 1963، "ماضي الايام الآتية" 1965، "ماذا صنعت بالذهب ماذا فعلت بالوردة" 1970، "الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع" 1975، "الوليمة "1994، وله كتاب مقالات في ثلاثة اجزاء هو "كلمات كلمات كلمات" 1978، وكتاب في التأمل الفلسفي والوجداني هو "خواتم" في جزئين 1991 و 1997، ومجموعة مؤلفات لم تُنشر بعد. و"خواتم" الجزء الثالث قيد الإعداد.
تولّى رئاسة تحرير العديد من المجلات إلى جانب عمله الدائم في "النهار"، وبينها "الحسناء" 1966 و"النهار العربي والدولي" بين 1977 و 1989.
نقل إلى العربية منذ 1963 أكثر من عشر مسرحيات لشكسبير ويونيسكو ودورنمات وكامو وبريخت وسواهم، وقد مثلتها فرق مدرسة التمثيل الحديث (مهرجانات بعلبك)، ونضال الأشقر وروجيه عساف وشكيب خوري وبرج فازليان
ويعدّ أنسي الحاج من روّاد "قصيدة النثر" في الشعر العربي المعاصر.
توفي في الثلاثاء 18/2/2014 في لبنان، عن عمر يناهز 77 عاماً، بعد صراع طويل مع المرض.