قصيدة في الموت ما أعيا وفي أسبابه للشاعر أحمد شوقي

البيت العربي

في المَوتِ ما أَعيا وَفي أَسبابِهِ


عدد ابيات القصيدة:55


في المَوتِ ما أَعيا وَفي أَسبابِهِ
فـي المَـوتِ ما أَعيا وَفي أَسبابِهِ
كُــلُّ اِمــرِئٍ رَهــنٌ بِــطَــيِّ كِــتــابِهِ
أَسَــدٌ لَعَـمـرُكَ مَـن يَـمـوتُ بِـظُـفـرِهِ
عِـنـدَ اللِقـاءِ كَـمَـن يَـموتُ بِنابِهِ
إِن نــامَ عَــنــكَ فَــكُـلُّ طِـبٍّ نـافِـعٌ
أَو لَم يَـنَـم فَـالطِـبُّ مِـن أَذنـابِهِ
داءُ النُــفــوسِ وَكُــلُّ داءٍ قَــبــلَهُ
هَــمٌّ نَــســيــنَ مَــجــيــئَهُ بِـذَهـابِهِ
النَــفــسُ حَــربُ المَـوتِ إِلّا أَنَّهـا
أَتَـتِ الحَـيـاةَ وَشُـغـلَهـا مِن بابِهِ
تَـسَـعُ الحَـيـاةَ عَلى طَويلِ بَلائِها
وَتَـضـيـقُ عَـنـهُ عَـلى قَـصـيرِ عَذابِهِ
هُــوَ مَـنـزِلُ السـاري وَراحَـةُ رائِحٍ
كَـثُـرَ النَهـارُ عَـلَيـهِ فـي إِنعابِهِ
وَشَــفـاءُ هَـذي الروحِ مِـن آلامِهـا
وَدَواءُ هَــذا الجِـسـمِ مِـن أَوصـابِهِ
مَــن سَــرَّهُ أَلّا يَــمـوتَ فَـبِـالعُـلا
خَـلُدَ الرِجـالُ وَبِـالفِـعالِ النابِهِ
مـا مـاتَ مَـن حـازَ الثَـرى آثـارَهُ
وَاِســتَــولَتِ الدُنــيـا عَـلى آدابِهِ
قُـــل لِلمُـــدِلِّ بِــمــالِهِ وَبِــجــاهِهِ
وَبِـمـا يُـجِـلُّ النـاسُ مِـن أَنـسـابِهِ
هَــذا الأَديــمُ يَــصُـدُّ عَـن حُـضّـارِهِ
وَيَـنـامُ مِـلءَ الجَـفـنِ عَـن غُـيّـابِهِ
إِلّا فَــنـىً يَـمـشـي عَـلَيـهِ مُـجَـدِّداً
ديــبــاجَــتَــيــهِ مُـعَـمِّراً بِـخَـرابِهِ
صـادَت بِـقـارِعَـةِ الصَـعـيـدِ بَـعوضَةٌ
فــي الجَــوِّ صـائِدَ بـازِهِ وَعُـقـابِهِ
وَأَصـابَ خُـرطـومُ الذُبـابَـةِ صَـفـحَـةً
خُـلِقَـت لِسَـيـفِ الهِـنـدِ أَو لِذُبابِهِ
طـارَت بِـخـافِـيَـةِ القَـضاءِ وَرَأرَأَت
بِــكَــريـمَـتَـيـهِ وَلامَـسَـت بِـلُعـابِهِ
لا تَـسـمَـعَـنَّ لِعُـصـبَةِ الأَرواحِ ما
قــالوا بِـبـاطِـلِ عِـلمِهِـم وَكِـذابِهِ
الروحُ لِلرَحــــمَــــنِ جَـــلَّ جَـــلالُهُ
هِــيَ مِــن ضَــنـائِنِ عِـلمِهِ وَغِـيـابِهِ
غُـلِبـوا عَـلى أَعـصـابِهِـم فَتَوَهَّموا
أَوهــامَ مَــغــلوبٍ عَــلى أَعــصــابِهِ
مــا آبَ جَــبّــارُ القُــرونِ وَإِنَّمــا
يَـومُ الحِـسـابِ يَـكـونُ يَـومَ إِيابِهِ
فَـذَروهُ فـي بَـلَدِ العَـجائِبِ مُغمَداً
لا تَــشـهَـروهُ كَـأَمـسِ فَـوقَ رِقـابِهِ
المُــســتَــبِــدُّ يُـطـاقُ فـي نـاووسِهِ
لا تَــحــتَ تــاجَـيـهِ وَفَـوقَ وِثـابِهِ
وَالفَــردُ يُــؤمَــنُ شَـرُّهُ فـي قَـبـرِهِ
كَـالسَـيـفِ نـامَ الشَـرُّ خَـلفَ قِرابِهِ
هَــل كــانَ تــوتَــنـخٌ تَـقَـمَّصـُ روحُهُ
قُــمُـصَ البَـعـوضِ وَمُـسـتَـخَـسَّ إِهـابِهِ
أَو كـانَ يَـجـزيـكَ الرَدى عَن صُحبَةٍ
وَهــوَ القَــديــمُ وَفــاؤُهُ لِصِـحـابِهِ
تَـاللَهِ لَو أَهـدى لَكَ الهَرَمَينِ مِن
ذَهَــبٍ لَكــانَ أَقَــلَّ مــا تُـجـزى بِهِ
أَنــتَ البَــشـيـرُ بِهِ وَقَـيِّمـُ قَـصـرِهِ
وَمُــقَــدِّمُ النُــبَــلاءِ مِــن حُـجّـابِهِ
أَعــلَمــتَ أَقـوامَ الزَمـانِ مَـكـانَهُ
وَحَــشَــدتَهُــم فــي ســاحِهِ وَرِحــابِهِ
لولا بَــنـانُـكَ فـي طَـلاسِـمِ تُـربِهِ
مــا زادَ فــي شَــرَفٍ عَـلى أَتـرابِهِ
أَخنى الحِمامُ عَلى اِبنِ هِمَّةِ نَفسِهِ
فـي المَـجدِ وَالباني عَلى أَحسابِهِ
الجـائِبُ الصَـخـرَ العَـتـيـدَ بِحاجِرٍ
دَبَّ الزَمـــانُ وَشَـــبَّ فــي أَســرابِهِ
لَو زايَـلَ المَـوتـى مَـحـاجِـرَهُم بِهِ
وَتَــلَفَّتــوا لَتَــحَــيَّروا كَــضَـبـابِهِ
لَم يَــألُهُ صَــبــراً وَلَم يَــنِ هِــمَّةً
حَــتّـى اِنـثَـنـى بِـكُـنـوزِهِ وَرِغـابِهِ
أَفــضـى إِلى خَـتـمِ الزَمـانِ فَـفَـضَّهُ
وَحَـبـا إِلى التـاريـخِ في مِحرابِهِ
وَطَـوى القُـرونَ القَهقَرى حَتّى أَتى
فِــرعَــونَ بَــيــنَ طَــعـامِهِ وَشَـرابِهِ
المَــنــدَلُ الفَــيّـاحُ عـودُ سَـريـرِهِ
وَاللُؤلُؤُ اللَمّــاحُ وَشــيُ ثِــيــابِهِ
وَكَـأَنَّ راحَ القـاطِـفـيـنَ فَـرَغنَ مِن
أَثــمــارِهِ صُــبــحــاً وَمِـن أَرطـابِهِ
جَــدَثٌ حَــوى مــا ضــاقَ غُـمـدانٌ بِهِ
مِـن هـالَةِ المُـلكِ الجَـسيمِ وَغابِهِ
بُــنــيــانُ عُــمـرانٍ وَصَـرحُ حَـضـارَةٍ
فـي القَـبـرِ يَـلتَقِيانِ في أَطنابِهِ
فَـتَـرى الزَمـانَ هُـناكَ عِندَ مَشيبِهِ
مِـثـلَ الزَمـانِ اليَـومَ بَعدَ شَبابِهِ
وَتُــحِــسُّ ثَـمَّ العِـلمَ عِـنـدَ عُـبـابِهِ
تَـحـتَ الثَـرى وَالفَـنُّ عِـنـدَ عُجابِهِ
يـا صـاحِـبَ الأُخـرى بَـلَغـتَ مَـحَـلَّةً
هِـيَ مِـن أَخي الدُنيا مُناخُ رِكابِهِ
نُـزُلٌ أَفـاقَ بِـجـانِـبَـيهِ مِنَ الهَوى
مَـن لا يُـفـيـقُ وَجَـدَّ مِـن تَـلعـابِهِ
نــامَ العَــدُوُّ لَدَيـهِ عَـن أَحـقـادِهِ
وَسَـلا الصَـديـقُ بِهِ هَـوى أَحـبـابِهِ
الراحَــةُ الكُــبــرى مِـلاكُ أَديـمِهِ
وَالسَــلوَةُ الطــولى قِـوامُ تُـرابِهِ
وادي المُـلوكِ بَـكَـت عَـلَيكَ عُيونُهُ
بِــمُـرَقـرَقٍ كَـالمُـزنِ فـي تَـسـكـابِهِ
أَلقـى بَـيـاضَ الغَـيـمِ عَـن أَعطافِهِ
حُـزنـاً وَأَقـبَـلَ فـي سَـوادِ سَـحـابِهِ
يَـأسـى عَـلى حَـربـاءِ شَـمـسِ نَهـارِهِ
وَنَــزيــلُ قــيــعَــتِهِ وَجـارُ سَـرابِهِ
وَيَـــوَدُّ لَو أُلبِـــســتَ مِــن بَــردِيَّهِ
بُــردَيـنِ ثُـمَّ دُفِـنـتَ بَـيـنَ شِـعـابِهِ
نَــوَّهـتَ فـي الدُنـيـا بِهِ وَرَفَـعـتَهُ
فَــوقَ الأَديــمِ بِــطــاحِهِ وَهِـضـابِهِ
أَخــرَجـتَ مِـن قَـبـرٍ كِـتـابَ حَـضـارَةٍ
الفَــنُّ وَالإِعــجــازُ مِــن أَبــوابِهِ
فَــصَّلــتَهُ فَــالبَــرقُ فــي إيـجـازِهِ
يُـبـنـى البَـريدُ عَلَيهِ في إِطنابِهِ
طَـلَعـا عَـلى لَوزانَ وَالدُنـيا بِها
وَعَـلى المُـحـيـطِ مـا وَراءَ عُـبابِهِ
جِـئتَ الشُـعـوبَ المُـحـسِـنينَ بِشافِعٍ
مِــن مِـثـلِ مُـتـقَـنِ فَـنِّهـِم وَلُبـابِهِ
فَـرَفَـعـتَ رُكـنـاً لِلقَـضِـيَّةـِ لَم يَكُن
سَــحــبـانُ يَـرفَـعُهُ بِـسِـحـرِ خِـطـابِهِ
شاركها مع اصدقائك

مشاركات الزوار

شاركنا بتعليق مفيد

الشاعر:

أحمد بن علي بن أحمد شوقي. أشهر شعراء العصر الأخير، يلقب بأمير الشعراء، مولده ووفاته بالقاهرة، كتب عن نفسه: (سمعت أبي يردّ أصلنا إلى الأكراد فالعرب) نشأ في ظل البيت المالك بمصر، وتعلم في بعض المدارس الحكومية، وقضى سنتين في قسم الترجمة بمدرسة الحقوق، وارسله الخديوي توفيق سنة 1887م إلى فرنسا، فتابع دراسة الحقوق في مونبلية، واطلع على الأدب الفرنسي وعاد سنة 1891م فعين رئيساً للقلم الإفرنجي في ديوان الخديوي عباس حلمي. وندب سنة 1896م لتمثيل الحكومة المصرية في مؤتمر المستشرقين بجينيف. عالج أكثر فنون الشعر: مديحاً، وغزلاً، ورثاءً، ووصفاً، ثم ارتفع محلقاً فتناول الأحداث الاجتماعية والسياسية في مصر والشرق والعالم الإسلامي وهو أول من جود القصص الشعري التمثيلي بالعربية وقد حاوله قبله أفراد، فنبذهم وتفرد. وأراد أن يجمع بين عنصري البيان: الشعر والنثر، فكتب نثراً مسموعاً على نمط المقامات فلم يلق نجاحاً فعاد إلى الشعر.
مولده 16-10-1868 ووفاته 14-10-1932
تصنيفات قصيدة في المَوتِ ما أَعيا وَفي أَسبابِهِ