البيت العربي
قَبَسٌ بَدَا مِنْ جَانِبِ الصَّحْرَاءِ
عدد ابيات القصيدة:119
قَــبَــسٌ بَــدَا مِــنْ جَــانِـبِ الصَّحـْرَاءِ
هَـلْ عَـادَ عَهْـدُ الْوَحْـيِ فِـي سِـيـنـاءِ
أَرْنُـو إِلى الطُّورِ الأَشَـمِّ فَـأَجْـتَلِي
إيـــمـــاضَ بَــرْقٍ وَاضِــحَ الإِيــمَــاءِ
حَــيْــثُ الْغَـمَـامَـةُ وَالْكَـلِيـمُ مَـرَوَّعٌ
أَرْسَــــتْ وَقُــــوراً أَيَّمــــَا إِرْسَــــاءِ
دَكْــنَـاءُ مُـثْـقَـلَةُ الْجَـوَانِـبِ رَهْـبَـةً
مَـكْـظُـومَـةُ النِّيـرَانِ فِـي الأَحْـشَـاءِ
حَـــتَّى تَـــكَــلَّمَ رَبُّهــَا فَــتَــمَــزَّقَــتْ
بَــيْــنَ الصَّوَاعِـبِ فِـي سَـنـىً وَسَـنَـاءِ
وَتَـــنَـــزَّلَتْ أَحْــكَــامُهُ فِــي لَوْحِهَــا
مَـــكْـــتُــوبَــةً آيَــاتُهَــا بِــضِــيَــاءِ
أَتْـرَى الْعِـنَـايَـةَ بَـعْـدَ لأْيٍ هَـيَّأـَتْ
للشَّرْقِ مَـــنْـــجَـــاةً مِـــنَ الْغَــمَّاــءِ
فَـأُتِـيـحَ فِـي لَوْحِ الْوَصَـايَـا جَـانِـبٌ
خَـــالٍ لَمُـــؤْتَــنَــفِ مِــنَ الإِيــصَــاءِ
وَتَــخَــلَّفَــتْ بَــيْــنَ الرِّمَــالِ مَـظِـنَّةٌ
لِتَـــفَـــجُّرٍ فِـــي الصَّخـــْرَةِ الصَّمــَّاءِ
قَــدْ آنَ لِلْعَــاشِـيـنَ فِـي ظَـلْمَـائِهِـمْ
حِــقْــبــاً خُــرُوجُهُــمُ مِــنَ الظَّلـْمَـاءِ
إِنَّيــ لِمَــيْــمُـونُ النَّقـِيـبَـةِ مُـلْهَـمٌ
إِبْـــرَاءُ زَمْـــنَـــاهُـــمْ وَرِيُّ ظِــمَــاءِ
إِنْ لَمْ يَـــقُـــدْهُــمْ قَــائِدٌ ذُو مِــرَّةٍ
وَالبَـأْسُ قَـدْ يُـنْـجِـي مِـنَ البْـأْسَـاءِ
هَــلْ مِــنْ بَــشِــيـرٍ أَوْ نَـذِيـرٍ قـادِرٍ
مُــتَــبَــيِّنــٍ مِــنْهُــمْ مَــكَــانَ الدَّاءِ
يَهْــدِيــهُــمُ سُــبُـلَ الرُّقِـيِّ مُـلاَئِمـاً
لِزَمـــانِهِـــمْ وَطَـــرائِقَ الْعَـــلْيَــاء
أَلشَّاــعِــرِيَّةــُ لاَ تَــزَالُ كَــعَهْـدِهـا
بَــعْــدَ النُّبــُوَّةِ مَهْــبِــطَ الإِيـحَـاءِ
وَالصَّوْتُ إِنْ تَـدْعُ الْحَـقِـيـقَةُ صَوْتُهَا
وَالنُّورُ نُــورُ خَــيَــالِهَــا الْوَضَّاــء
يَـا شَـيْـخَ سِـينَاءَ الَّتي بُعِثَ الْهُدَى
مِـــنْ تِـــيـــهِهَـــا فِــي آيَــةٍ غَــرَّاءِ
سَــنَــرَى وَأَنْــتَ مُــعَــرِّبٌ عَــنْ حَـقِّهـَا
كَــيْــفَ المـوَاتُ يَـفُـوزُ بِـالأَحْـيَـاءِ
هَــذِي النِّيــَابَــةُ شَــرَّفَـتْـكَ وَشَـرَّفَـتْ
بِـكَ فِـي الْبِـلاَدِ مـكَـانَـةَ الأُدَبَاءِ
قَـأَهْـنَأْ بِمَنْصِبِهَا الرَّفِيعِ وَإِنْ تَكُنْ
أَعْــبَــاؤُهَــا مِــنْ أَفْــدَحِ الأَعْـبَـاءِ
حَــسْـبُ القَـرِيـضِ زِرَايَـةً فَـاثْـأَرْ لَهُ
وَارْفَــعْ بِــنَــاءَكَ فَــوْقَ كُــلِّ بِـنَـاءِ
وَأَرِ الأُلى جَــارُوا عَــلَى أَرْبَــابِهِ
آفَـــاتِ تِـــلْكَ الخُــطَّةــِ العَــوْجَــاءِ
إِنَّ التَّوَاكُــلَ وَالتَّخــَاذُلَ وَالقِــلَى
لأَقَـــلُّ مَـــا جَــلَبَــتْ مِــنَ الأَرْزَاءِ
وَتَــنَــزُّلِ الأَقْــوَامِ عَـنْ أَخْـطَـارِهَـا
وَتَـــعَـــسُّفــِ الحُــكِّاــمِ وَالكُــبَــرَاءِ
أَبْـنَـاءُ يَـعْـرُبَ فِـي أَسـىً مِـنْ حِـقْبَةٍ
شَــقِــيــتَ بِهَــا الآدابُ جِــدَّ شَـقَـاءِ
جَـنَـفَ البُغَاةُ بِهَا عَلَى أَهْلِ النُّهَى
وَاسْــتُــعْــبِــدَ العُــلَمَـاءُ لِلْجُهَـلاَءِ
وَتَــخَــيَّلــَ السَّاـدَاتُ فِـي أَقْـوَامِهِـمْ
شُــعَــرَاءَهَــا ضَــرْبــاً مِـنَ الأُجـرَاءِ
وَهُــمُ الَّذِيـنَ تَـنَـاشَـدُوا أَقْـوَالَهُـمْ
لِلْفَــــخْــــرِ آوِنَــــةً وَلِلتَّأــــْسَــــاءِ
وَبِـفَـضْـلِهِـمْ غُـذِيَـتْ غِـرَاثُ عُـقُـولِهِـمْ
مِــــنْ كُــــلِّ فَــــاكِهَـــةٍ أَلَذَّ غِـــذَاءِ
وَبِــنــفـحَـةٍ مِـنْهُـمْ غَـدَتْ أَسْـمَـاؤُهُـمْ
مِـنْ خَـالِدَاتِ الذِّكْـرِ فِـي الأَسْـمَـاءِ
أصْــلِحْ بِهِــمْ رَأْيَ الأُولَى خَـالُوهُـمُ
آلاتِ تَهْـــــنِـــــئَةٍ لَهُــــمْ وَعَــــزَاءِ
وَلْتَـشْهَـدِ الأَوْطَـانُ مَـا حَـسَـنَـاتُهُـمْ
فِـي المَـنَصِبِ الْعَالِي وَفِي الإِثْرَاءِ
وَلْتَــعْـلَمِ الأَيَّاـمُ مَـا هُـوَ شـأْنُهُـمْ
فِـــي كُـــلِّ مَـــوْقِـــفِ عِـــزَّةٍ وَإِبَـــاءِ
يَـا بَـاعِـثَ المَـجْـدِ الْقَـدِيمِ بِشِعْرِه
وَمُـــجَـــدِّدَ الْعَــرَبِــيَّةــِ الْعَــربَــاء
أَنْـتَ الأَمِـيـرُ وَمَـنْ يَـكُـنْهُ بِالْحِجَى
فَـــلَهُ بِهِ تِـــيـــهٌ عَـــلَى الأُمَــرَاءِ
أَلْيَــوْمَ عِــيــدُكَ وَهْــوَ عِـيـدٌ شَـامِـلٌ
لِلضَّاــدِ فِــي مُــتَــبَــايَـنِ الأَرْجَـاءِ
فِـي مِـصْـرَ يُـنْـشِـدُ مِـنْ بَـنِيها مُنْشِدٌ
وَصَــدَاهُ فِــي الْبَــحْـرَيْـنِ وَالزَّوْرَاءِ
عِــيــدٌ بِهِ اتَّحــَدَتْ قُـلُوبُ شُـعُـوبِهَـا
وَلَقَــدْ تَــكُــونُ كَــثِــيـرَةُ الأَهْـواءِ
كَـمْ رِيـمَ تَـجْـدِيـدٌ لِغَـابِـرِ مَـجْـدِهَـا
فَـــجَـــنَــى عَــلَيْهَ تَــشَــعُّبــُ الآرَاءِ
مَـا أَبْهَـجَ الشَّمـْسَ الَّتِـي لاَحَتْ لَهَا
بَــعْــدَ الْقُــنُــوطِ وَطَـالَعَـتْ بِـرجَـاءِ
أَلشِّعــْرُ أَدْنَــى غَـايَـةً لَمْ يَـسْـتَـطِـعْ
إِدْنَـــاءَهَـــا عَـــزْمٌ وَحُـــسْــنُ بَــلاَءِ
مَـا السِّحـْرُ إِلاَّ شِـعْـرُ أَحْمَدَ مَالِكاً
مِـنْهَـا الْقِـيَـادَ بِـلُطْـفِ الاسْتِهْوَاءِ
قَـــدْ هَـــيَّأـــَتْ آيَـــاتُهُ لِوُفُــودِهَــا
فِــي مِــصْــرَ عَــنْ أُمَــمٍ أَحَــبَّ لِقَــاءِ
لاَ يُــوقِــظَ الأَقْــوَامَ إِلاَّ مُــنْـشِـدٌ
غَـــردٌ يُـــنَـــبِّهـــُ نَــائِمَ الأَصْــدَاءِ
كَـــلاًّ وَلَيْـــسَ لَهَــا فَــخَــارٌ خَــالِصٌ
كَــفَــخَــارِهَــا بِــنَــوَابِـغِ الشُّعـَرَاءِ
يـا مِـصْـرُ بَـاهِـي كُـلَّ مِصْرٍ بِالأولَى
أَنْــجَــبْــتِ مِـنْ أَبْـنَـائِكِ الْعُـظَـمَـاءِ
حَــفَــلُوا لأَحْـمَـدَ حَـفْـلَةً مَـيْـمُـونَـةً
لَمْ تَــأْتِ فــي نَــبَـإٍ مِـنَ الأَنْـبَـاءِ
مَــــا أَحْــــمَـــدٌ إلاَّ لِوَاءُ بِـــلاَدِهِ
فِــي الشَّرْقِ يَــخْـفُـقُ فَـوْقَ كُـلِّ لِوَاءِ
عَــلَمٌ بِهِ الوَادِي أَنَــافَ عَــلَى ذُرىً
شُـــمِّ الْجِـــبَـــالِ بِـــذُرْوَةٍ شَـــمَّاـــءِ
بَــسَــمَـتْ ذُؤَابَـتُهُ وَمَـا زَانَ الرُّبَـى
فِــي هَـامَهَـا كَـالحِـلْيَـةِ الْبَـيْـضَـاءِ
هَـــلْ فِـــي لِدَاتٍ أَبِـــي عَـــلِيٍّ نِــدُّهُ
إِنْ يَـــصْـــدُرَا عَــنْ هِــمَّةــٍ وَمَــضَــاءِ
أَوْ شَــاعِــرٍ كَــأَبِــي حُــسَــيْــنٍ آخِــذٍ
مِــنْ كُــلِّ حَــالٍ مَــأْخَــذَ الْحُــكَـمَـاءِ
فَهِـمَ الحَـيَـاةَ عَـلَى حَـقِـيقَةِ أَمْرِهَا
فـــأَحَـــبَّهــَا مَــوْفُــورَةَ النَّعــْمَــاءِ
يَـجْـنِـي دَوَانِـيـهَـا وَلاَ يَـثْـنِيهِ مَا
دُونَ القَــواصِــي مِــنْ شَـدِيـدِ عَـنَـاءِ
يــقْــضِـي مُـنَـاهُ أَنَـاقَـةً فِـي عـيْـشِهِ
وَيَــفِــيَ بِــحَــقِّ المَــجْــدِ أَيَّ وَفَــاءِ
عَـظُـمَـتْ مَـوَاهِـبُهُ وَأَحْـرَزَ مَا اشْتَهَى
مِـــنْ فِـــطْـــنَـــةٍ خَـــلاَّبَـــةٍ وَذَكَــاءِ
إِنْ تَــلْقَهُ تَــلْقَ النُّبــُوغَ مُــمَـثَّلـاً
فِــــي صُــــورَةِ لَمَّاــــحَــــةِ اللَّأْلاَءِ
طُـبِـعَـتْ مِـنَ الحُـسْـنِ العَتِيقِ بِطَابَعٍ
وَضَّاـــــحِ آيَـــــاتٍ بَـــــدِيـــــعِ رُوَاءِ
زَانَ الخَــيَــالُ جَـمَـالَهَـا بِـسِـمَـاتِهِ
وَأَعَـــارَهَـــا قَـــسَـــمَــاتِهِ لِبَــقَــاءِ
واليَوْمَ إِذْ وَلَّى الصَّبَا لَمْ يَبْقَ مِنْ
أَثَـــرٍ عَـــلَيْهَـــا عَـــالِقٍ بَــفَــنَــاءِ
لاَ شَــيــءَ أَرْوَعُ إِذْ تَـكُـونُ جَـلِيـسَهُ
مِــنْ ذلِكَ الرَّجُـلِ القَـرِيـبِ النَّاـئِي
أَبَــداً يُــقَــلَّبُ نَـاظِـرَيْهِ وَفِـيـهِـمَـا
تَـــقْـــلِيــبُ أَمْــوَاجٍ مِــنَ الأَضْــوَاءِ
يـرَنْـو إِلى العَـلْيـا بِـسَـامي طَرْفِهِ
وَيُـــلاَحِـــظُ الدُّنْــيَــا بِــلاَ إِزْرَاءِ
يُـغْـضِـي سَـمَـاحـاً عـنْ كَـثِـيـرٍ جَـفْـنُهُ
وَضَــمِــيــرُهُ أَدْنَــى إِلى الإِغْــضَــاءِ
فَــــإِذَا تُــــحَــــدِّثُهُ فَـــإِنَّ لَصَـــوْتَهَ
لَحْـنـاً رَخِـيـمَ الْوَقْـعِ فـي الْحَوْبَاءِ
فِــي نُـطْـقِهِ الدُّرُّ النَـفِـيـسُ وَإِنَّمـَا
تَــصْــطَــادُهُ الأَسْــمَـاعُ بِـالإِصْـغَـاءِ
لَكِـــنَّ ذَاكَ الصَّوْتَ مِـــنْ خَـــفْـــضٍ بِهِ
يَـسْـمُـو الْحِـفَـاظُ بِهِ إِلى الْجَـوْزَاءِ
أَعْــظِــمْ بِــشَـوْقِـي ذَائِداً عَـنْ قَـوْمِهِ
وَبِـــلاَدِهِ فِـــي الأَزْمَــةِ النَّكــْرَاءِ
لَتَــكَـادُ تَـسْـمَـعُ مِـنْ صَـريـرِ يَـرَاعِهِ
زأْراً كَـزَأْرِ الأُسْـدِ فِـي الْهَـيْـجَـاءِ
وَتَــرَى كَــأّزْنِــدَةٍ يَــطِـيـرُ شَـرَارُهَـا
مُــتَــدَارِكــاً فِـي الأَحْـرُفِ السَّوْدَاءِ
وَتُــحِــسُّ نَــزْفَ حُــشَــاشَــةٍ مَــكْـلُومَـةٍ
بِــمَــقَــاطِـرِ الْيـاقُـوتَـةِ الحُـمْـرَاءِ
فِــي كُــلِّ فَــنٍ مِــنْ فُــنُــونِ قَـرِيـضِهِ
مَــا زَالَ فَــوْقَ مَــطَــامِـعِ النُّظـَرَاءِ
أَمَّاـ جَـزَالَتُهُ فَـغَـايَـةُ مَـا انْـتَهَـتْ
شَــرَفــاً إِليْهِ جَــزَالَةُ الفُــصَــحَــاءِ
وَتَــكَــادُ رِقَّتــُهُ تَــسِــيــلُ بِــلَفْــظِهِ
فِـي المُهْـجَـةِ الظَّمـْأَى مَسِيلَ المَاءِ
لَوْلاَ الْجَـديـدُ مِنَ الْحَلَى فِي نَظْمِهِ
لَمْ تَـــعْـــزُهُ إِلاَّ إِلى الْقُـــدَمَـــاءِ
نَـاهِـيـكَ بِـالْوَشْيِ الأَنِيقِ وَقَدْ زَهَا
مَـا شَـاءَ فِـي الدِّيـبَـاجَـةِ الْحَسْنَاءِ
يَـسْـرِي نَـسِـمُ اللُّطْـفِ فِـي زِيـنَـاتِهَا
مَـسْـرَى الصِّبـَا فِـي الرَّوْضَةِ الْغَنَّاءِ
هَـتَـكَـتْ قَـريـحَـتُهُ السُّجـُوفَ وَأَقْـبَلَتْ
تَـسْـبِـي خَـبَـايَـا النَّفـْسِ كـلَّ سِـبَـاءِ
فَـإِذَا النَّوَاظِـرُ بَـيْـنَ مُـبْـتَـكـرَاتِهِ
تُـــغْـــزَى بِـــكُـــلِّ حَــيِــيــة عَــذْرَاءِ
فِـــي شـــدْوِهِ وَنُـــوَاحِهِ رَجْـــعٌ لِمَــا
طَــوِيَــتْ عَــلَيْهِ سَــرَائِرُ الأَحْــيَــاءِ
هَـلْ فِـي السَّمـَاعِ لِبَـث آلامِ الْجَوَى
كَـــنُـــوَاحِهِ وَكَـــشَـــدْوِهِ بِـــغِـــنَــاءِ
يــشْــجِــي قَــدِيــمُ كَـلاَمِهِ كَـجَـدِيـدهِ
وَأَرَى الْقَـدِيـمَ يَـزِيـدُ فِي الإِشْجَاءِ
فَــمِــنَ الْكَــلاَمِ مُــعَــتَّقـٌ إِنْ ذُقْـتَهُ
ألْفَـــيْـــتَهُ كَــمُــعَــتَّقــِ الصَّهــْبَــاءِ
مَــلأَتْ شَــوَارِدُهُ الْحَــوَاضِـرَ حِـكْـمَـةً
وَغَـزَتْ نُـجُـوعَ الْجَهْـلِ فِـي البَـيْدَاءِ
وَتُــرَى الدَّرَارِي فِـي بُـحُـورِ عَـرُوضَهِ
وَكَــــأّنَّهــــُنَّ دَنَــــتْ بِهِـــنَّ مَـــرَائِي
كَــمْ فِــي مَــوَاقِــفِهِ وَفِــي نَـزَعَـاتِهِ
مِــنْ مُــرْقِــصَــاتِ الْفَــنِّ وَالإِنْـشَـاءِ
كَــمْ فِــي سَــوَانِــحِهِ وَفِــي خَـطَـرَاتِهِ
مِــنْ مُــعْــجِــزَاتِ الْخَـلْقِ وَالإِبْـدَاءِ
رَسَــمَ النُّبــُوغُ لَهُ بِـمُـخْـتَـلِفَـاتِهَـا
صُــوَراً جَــلاَئِلَ فِــي عُـيُـون الرَّائِي
أَلمَــمْــتُ مِــنْ شَـوْقِـي بِـنَـحُـوٍ وَاحِـدٍ
وَجَـــلاَلُهُ مُـــتَـــعَـــدِّدُ الأَنْـــحَـــاءِ
مَــلأَتْ مَــحَــاسِــنُهَــا قُــلُوبَ وَلاَتِهِ
وَتَــثَــبَّتــَتْ فِــي أَنْــفْــسِ الأَعْــدَاءِ
لِلهِ شَــوْقِــي سَــاجِــيــاً أَوْ ثَــائِراً
كَــاللَّيْــثِ وَالْبُــرْكَــانِ وَالدَّأْمَــاءِ
لِلهِ شَـــوْقِـــي فِـــي طَـــرَائِقِ أَخْــذِهِ
بِـــطَـــرَائِفِ الأَحْــوَالِ وَالأَشْــيَــاءِ
فِـــي لَهْـــوِهِ وَسُـــرُورِهِ فِـــي زُهْــوِهِ
وَغُـــرُورِهِ فِـــي الْبَــثِّ وَالإِشْــكَــاءِ
فِــي حُــبِّهــِ للِنِّيــلِ وَهْــوَ عِــبَــادَةٌ
للِرَازِقِ الْعُــــــــوَّادِ بِــــــــالآلاَءِ
فِـــي بِـــرِّهِ بِـــبِـــلاَدِهِ وَهِـــيَـــامِهِ
بِــجَــمَــالِ تَـلْكَ الْجَـنَّةـِ الْفَـيْـحَـاءِ
فِـي وَصْـفَهِ النْـعَـمَ التِـي خـصت بِهَا
مِــن حُــسْــنِ مُــرْتَــبُـعٍ وَطِـيـبِ هَـوَاءِ
فِــي ذِكْــرِهِ مُــتَــبَــاهِـيـاً آثَـارَهَـا
وَمَــــآثِــــرَ الأَجْــــدَادِ وَالآبــــاءِ
فِـي فَـخْـرِهِ بِـنُهُـوضِهَـا حَـيْـثُ الرَّدَى
يَهْــوِي بِهَــامِ شَــبَـابِهَـا النُّبـَهَـاءِ
فِــي شُــكْـرِهِ لِلْمَـانِـعِـيـنَ حِـيـاَضَهَـا
وَحُــمَــاةِ بَــيْــضَـتِهَـا مِـنَ الشُّهـَدَاءِ
فِــي حَــثَّهــِ أَعْــوَانَ وَحْــدَتِهَـا عَـلَى
وُدٍّ يُــــؤَلِّفُ شَــــمْــــلَهُــــمْ وَإِخَــــاءِ
مَــتَــثَـبِّتـِيـنَ مِـنَ الْبِـنَـاءِ بـرُكْـنِهِ
لِتَــمَــاسُــكِ الأَعْــضَــادِ وَالأَجْــزَاءِ
فِــي نُــصْــحِهِ بِـالعِـلْمِ وَهْـوَ لأَهْـلِهِ
حِــرْزٌ مِــنَ الإِيــهَــانِ وَالإِيــهَــاءِ
فِــي وَصْــفِهِ الآيَــاتِ مِـمَّاـ أبْـدَعَـتْ
أُمــمٌ يَــقِــظْــنَ وَنَــحْـنُ فِـي إِغْـفَـاءِ
وَصْــفٌ تَــفَــنَّنــَ فِــيـهِ يُـغْـرِي قَـوْمَهُ
بِــالأَخْــذِ عَــنْهَــا أشْـرَفَ الإِغْـراءِ
لَمْ يُـبْـقِ مِـنْ عَـجَـبٍ عُـجَـابٍ خَـافِـيـاً
فِــي بَــطْــنِ أَرْضٍ أَوْ بِــظَهْــرِ سَـمَـاءِ
هَــذَا إِلى مَــا لاَ يُــحِـيـطُ بِـوَصْـفِهِ
فِــــكْــــرِي وَدُونَ أَقَــــلَّهِ إِطْــــرَائِي
بَــلَغــتْ خِــلاَلُ الْعَـبْـقَـرِيَّةـِ تِـمَّهـَا
فِـــيـــهِ وَجَــازَتْ شَــأْوَ كُــلِّ ثَــنَــاءِ
فَـإذَا عَـيِـيـتُ وَلَمْ أَقُـمْ بِـحُـقُـوقِهَا
فَــلَقَــدْ يَــقُـومُ الْعُـذْرُ بـالإِبْـلاءِ
مَــاذَا عَــلَى مُــتَــنَــكِّبـٍ عَـنْ غَـايَـةٍ
وَالشَّوْطُ لِلأَنْــــدادِ والأَكْــــفَــــاءِ
أًعَـــلِمْـــتَ مَــا مِــنّــي هَــوَاهُ وَإِنَّهُ
لَنَــسِــيــجُ عُــمْــرٍ صَــدَاقَــةٍ وَفِــدَاءِ
أَيْ حَـافِـظَ الْعَهْـدِ الَّذِي أَدْعُـو وَمَا
أَخْــشَــى لَدَيْهِ أَنْ يَــخِــيــبَ دُعَــائِي
أَدْرِكْ أَخــاكَ وَأَوْلِهِ نَــصْــراً بِــمَــا
يَــنْــبُــو بِهِ إِلاَّكَ فِــي الْبُــلَغَــاءِ
جـل المَـقَـامُ وقَـدْ كَـبَـتْ بِـي هِـمَّتي
فَــأَقِــلْ جَــزَاكَ اللهُ خَــيْــرَ جَــزَاءِ
يَـأْبَـى عَـلَيْـكَ النُّبـْلُ إِلاَّ أَنْ تُـرَى
فِــــي أَوَّلِ الْوَافِــــيـــنَ لِلزُّمَـــلاَءِ
وَالشَّرْقُ عَالِي الرَّأْسِ مَوْفُوُرُ الرِّضَى
بِــرِعَــايَــةِ النُّبــَغَــاءِ لِلنُّبــَغَــاءِ
يَــا مَــنْ صَــفَــا لِي وُدُّهُ وَصَـفَـا لَهُ
وُدِّي عَــــــــــــــلَى السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ
فَــأَعَــزَّنِــي يَــوْمَ الْحِــفَــاظِ وَلاَؤُه
وَأَعَــــزَّهُ يَــــوْمَ الْحِـــفَـــاظِ وَلاَئِي
وَعَـرَفْـتُ فِـي نَـادِي الْبَـيَـانِ مَكَانَهُ
وَمَــكَــانُهُ الأَسْــنَــى بِـغَـيْـرِ مِـرَاءِ
يَهْـنِـيـكَ هَـذَا الْعِـيـدُ دُمْ مُسْتَقْبِلاً
أَمْـــثَـــالَهُ فِـــي صِـــحَّةـــِ وَصَـــفَــاءِ
مشاركات الزوار
شاركنا بتعليق مفيد
الشاعر: خليل مطران
شاعر، غواص على المعاني، من كبار الكتاب، له اشتغال بالتاريخ والترجمة.
ولد في بعلبك (بلبنان) وتعلم بالمدرسة البطريركية ببيروت، وسكن مصر، فتولى تحرير جريدة الأهرام بضع سنين.
ثم أنشأ "المجلة المصرية" وبعدها جريدة الجوائب المصرية يومية ناصر بها مصطفى كامل باشا في حركته الوطنية واستمرّت أربع سنين.
وترجم عدة كتب ولقب بشاعر القطرين، وكان يشبّه بالأخطل، بين حافظ وشوقي.
وشبهه المنفلوطي بابن الرومي في تقديمه العتابة بالمعاني وبالألفاظ كان غزير العلم بالأدبين الفرنسي والعربي، رقيق الطبع، ودوداً، مسالماً له (ديوان شعر - ط) أربعة أجزاء توفي بالقاهرة.