البيت العربي

قَد اِختَلَّ الأَنامُ بِغَيرِ شَكٍّ
عدد ابيات القصيدة:64

قَـد اِخـتَـلَّ الأَنـامُ بِـغَـيرِ شَكٍّ
فَـجَـدّوا فـي الزَمـانِ وَأَلعَبوهُ
وَظَـنّـوا أَنَّ بـوهَ الطَـيـرِ صَـقرٌ
بِــجَهــلِهِــمُ وَأَنَّ الصَــقـرَ بـوهُ
وَوَدّوا العَـيـشَ فـي زَمَـنٍ خَؤونٍ
وَقَــد عَــرَفــوا أَذاهُ وَجَـرَّبـوهُ
وَيَـنـشَـأُ نـاشِـئُ الفِـتيانِ مِنّا
عَــلى مــا كــانَ عَــوَّدَهُ أَبــوهُ
وَمـا دانَ الفَـتـى بِـحِجىً وَلَكِن
يُــعَــلِّمُهُ التَــدَيُّنــَ أَقــرَبــوهُ
وَطِـــفـــلُ الفــارِسِــيِّ لَهُ وُلاةٌ
بِــأَفــعــالِ التَــمَــجُّسـِ دَرَّبـوهُ
وَضَـــمَّ النـــاسَ كُــلُّهُــمُ هَــواءٌ
يُــذَلِّلُ بِــالحَــوادِثِ مُـصـعِـبـوهُ
لَعَــلَّ المَــوتَ خَـيـرٌ لِلبَـرايـا
وَإِن خـافـوا الرَدى وَتَهَـيَّبـوهُ
أَطـاعـوا ذا الخِـداعِ وَصَـدَّقوهُ
وَكَـم نَـصَـحَ النَـصـيـحُ فَـكَـذَّبوهُ
وَجــاءَتــنــا شَــرائِعُ كُـلَّ قَـومٍ
عَـــلى آثـــارِ شَـــيـــءٍ رَتَّبــوهُ
وَغَــيَّرَ بَــعــضُهُـم أَقـوالَ بَـعـضٍ
وَأَبـطَـلَتِ النُهـى مـا أَوجَـبـوهُ
فَـلا تَـفـرَح إِذا رَجَّبـتَ فـيـهِم
فَـقَـد رَفَـعـوا الدَنِـيَّ وَرَجَّبـوهُ
وَبَــدَّلَ ظــاهِــرَ الإِسـلامِ رَهـطٌ
أَرادوا الطَـعـنَ فـيـهِ وَشَذَّبوهُ
وَمـا نَـطَـقـوا بِهِ تَـشـبيبَ أَمرٍ
كَـمـا بَـدَأَ المَـديـحَ مُـشَـبِّبـوهُ
وَيُـذكَـرُ أَنَّ فـي الأَيّـامِ يَوماً
يَــقـومُ مِـنَ التُـرابِ مُـغَـيِّبـوهُ
وَمـا يَـحـدُثُ فَـإِنّـا أَهـلُ عَـصـرٍ
قَـليـلٌ فـي المَـعـاشِـرِ مُنجِبوهُ
صَـحِـبـنـا دَهـرَنـا دَهراً وَقِدماً
رَأى الفُـضـلاءُ أَن لا يَصحَبوهُ
وَغـيـظَ بِهِ بَـنـوهُ وَغـيـظَ مِنهُم
فَــعَــذَّبَ ســاكِــنــيــهِ وَعَـذَّبـوهُ
وَمِــن عــاداتِهِ فــي كُــلِّ جـيـلٍ
غَـــذاهُ أَن يَـــقِـــلَّ مُهَـــذَّبــوهُ
أَســاءَ بِــغِـيِّهـِ أَدَبـاً عَـلَيـهِـم
فَهَــل مِــن حــيــلَةٍ فَــيُـؤَدِّبـوهُ
وَمـا يَـخـشـى الوَعيدَ فَيوعِدوهُ
وَلا يَـرعـى العِـتـابَ فَيُعتِبوهُ
وَهَـل تُـرجى الكَرامَةُ مِن أَوانٍ
وَقَــد غَــلَبَ الرِجـال مُـغَـلَّبـوهُ
وَهَـل مِـن وَقـتِهِـم أَبغى وَأَطغى
عَــلى أَيِّ المَــذاهِــبِ قَــلّبــوهُ
أَجَــلّوا مُــكــثِــراً وَتَــنَـصَّفـوهُ
وَعــابــوا مَــن أَقَــلَّ وَأَنَّبــوهُ
وَلَم يَـرضَـوا لِما سَكَنوهُ شيداً
إِلى أَن فَـــضَّضـــوهُ وَأَذهَــبــوهُ
فَـإِن يَـأكُـلُهُـم أَسَـفـاً وَحِـقـداً
فَــقَــد أَكَـلَ الغَـزالَ مُـرَبِّبـوهُ
وَتِلكَ الوَحشُ ما جادوا عَلَيها
بِـــعُـــشـــبٍ غِـــبَّ نَــدٍّ عَــشَّبــوهُ
يَـسـورُ الكَـلبُ مُـجتَهِداً إِلَيها
وَيَـحـظـى بِـالقَـنـيـصِ مُـكَـلِّبـوهُ
رَجَـوا أَن لا يَـخيبَ لَهُم دُعاءٌ
وَكَـم سَـأَلَ الفَـقـيـرُ فَـخَـيَّبـوهُ
وَمـا شَـأنُ اللَبـيـبِ بِغَيرِ سِلمٍ
وَإِن شَهِــدَ الوَغــى مُــتَـلَبِّبـوهُ
أَلَظّـوا بِـالقَـبـيـحِ فَـتـابَـعوهُ
وَلَو أَمَـــروا بِهِ لَتَـــجَــنَّبــوهُ
نَهـاهُـم عَـن طِـلابِ المالِ زُهدٌ
وَنـادى الحِـرصُ وَيبَكُمُ اِطلُبوهُ
فَــأَلقـاهـا إِلى أَسـمـاعِ غُـثـرٍ
إِذا عَـرَفـوا الطَـريـقَ تَنَكَّبوهُ
سَـعَـوا بَـيـنَ اِقتِرابٍ وَاِغتِرابٍ
يَــمــوتُ بِــغَــصَّةــٍ مُــتَــغَـرِّبـوهُ
غَـدَوا قـوتـاً لِمِـثـلِهُـمُ تَساوى
خَــبــيــثــوهُ لَدَيـهِ وَأَطـيَـبـوهُ
مَـضَـت أُمَـمٌ عَـلى شَرخِ اللَيالي
إِذا عَــمَــدوا لِعَــقــدٍ أَرَّبــوهُ
وَكَـم تَـرَكوا لَنا أَثَراً مُنيفاً
يَـــعـــودُ بِــآيَــةٍ مُــتَــأَوِّبــوهُ
لَقَـد عَـمَروا وَأَقسَمَتِ الرَزايا
لَبِــئسَ الرَهــطُ رَهــطٌ خَــرَّبــوهُ
فَــإِمّــا عــاثَ فــيــهِ حـاسِـدوهُ
وَإِمّـــا غـــالَهُ مُـــتَـــكَــسِّبــوهُ
وَلِلأَرمَــيــنِ خَــطـبٌ مُـسـتَـفـيـضٌ
يَــعــومُ بِــلُجِّهــِ مُــتَــعــجِّبــوهُ
وَلَو قَـدَروا عَـلى إيوانِ كِسرى
لَســامــوهُ الرَدى وَتَــعَــقَّبــوهُ
وَقَـد مَـنّـوا بِـرِزقِ اللَهِ جَهلاً
كَــــأَنَّهــــُمُ لِبــــاغٍ سَـــبَّبـــوهُ
إِذا أَصــحــابُ ديــنٍ أَحــكَـمـوهُ
أَذالوا مــا سِــواهُ وَعَــيّـبـوهُ
وَقَـد شَهِـدَ النَـصـارى أَنَّ عيسى
تَــوَّخَــتــهُ اليَهـودُ لِيَـصـلِبـوهُ
وَقَـد أَبَهـوا وَقَـد جَـعَلوهُ رَبّاً
لِئَلّا يَــنــقَــصــوهُ وَيَــجـدُبـوهُ
تَــمُــجُّ قُــلوبُهُـم مـا أودِعَـتـهُ
لِســوءٍ فـي الغَـرائِزِ أُشـرِبـوهُ
أَضـاعـوا السِرَّ لَمّا اِستَحفَظوهُ
وَقَـد صـانـوا الأَديـمَ وَسَرَّبوهُ
لَهُـم نَـسَـبُ الرَغـامِ وَذاكَ طُهرٌ
وَلَم يَــطــهُــر بِهِ مُــتَــنَـسِّبـوهُ
وَنُـبِّئـَ فـي بَـنـي يَـعقوبَ موسى
بِــشَــرعٍ مــا تَـخَـلَّصَ مُـتـعَـبـوهُ
وَقَـد نَـضَـتِ النَـواظِـرُ كُـلَّ عامٍ
وَأَتــرابُ السَــعـادَةِ مُـتـرَبـوهُ
عَــلى حَـجَـرٍ لَهُـم تَهـوي جِـبـالٌ
وَلَم يَـسـتَـعـفِ ذَنـبـاً مُـذنِـبوهُ
وَدونَ الأَبـيَـضِ المُـشـتارِ زُغبٌ
لَواسِــبُ عُـقـنَهُـم أَن يَـلبَـسـوهُ
وَقَـد رَكِـبَ الَّذينَ مَضَوا سَبيلاً
إِلى عَــليــائِهِـم لَم يَـركَـبـوهُ
وَحَـبـلُ العَـيـشِ مُـنـتَـكِـثٌ ضَعيفٌ
وَنِـعـمَ الرَأيُ أَن لا تَـجـذُبوهُ
وَمــا فَــعَـلوا وَلَكِـن بـاكَـروهُ
بِــأَســبـابِ الحِـمـامِ فَـقَـضَّبـوهُ
فَــمِــن سَــيـفٍ وَمِـن رُمـحٍ وَسَهـمٍ
وَنَـــصـــلٍ أَرهَـــفـــوهُ وَذَرَّبــوهُ
وَما دَفَعَت عَنِ الملِكِ المَنايا
مَــقــانِــبُهُ وَلا مُــتَــكَــتِّبــوهُ
حَـسِـبـتُـم يـا بَـني حَوّاءَ شَيئاً
فَــجـاءَكُـمُ الَّذي لَم تَـحـسِـبـوهُ
وَجــيــرانُ الغَـريـبِ مُـبـغِـضـوهُ
إِلى جُـــلّاسِهِـــم وَمُـــحَـــبِّبــوهُ
فَـإِن يـولوا قَـبـيـحـاً يَذكُروهُ
وَإِن يَـحـبوا يُشيعوا ما حَبوهُ
تَـقـولُ الهِـنـدُ آدَمُ كـانَ قِـنّاً
لَنــا فَــسَــرى إِلَيـهِ مُـخَـبِّبـوهُ
أولَئِكَ يَـحـرِقـونَ المَـيتَ نُسكاً
وَيُــشــعِــرُهُ لُبــانـاً مُـلهِـبـوهُ
وَلَو دَفَنوهُ في الغَبراءِ جاءَت
بِــمــا يَــســعـى لَهُ مُـتَـأَلِّبـوهُ
أُديـلَ الشَـرُّ مِـنـكُـم فَـاِحذَروهُ
وَمـاتَ الخَـيـرُ مِـنكُم فَاِندُبوهُ
مشاركات الزوار
شاركنا بتعليق مفيد
الشاعر: أَبو العَلاء المَعَرِي
شاعر وفيلسوف، ولد ومات في معرة النعمان، كان نحيف الجسم، أصيب بالجدري صغيراً فعمي في السنة الرابعة من عمره.
وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة، ورحل إلى بغداد سنة 398 هـ فأقام بها سنة وسبعة أشهر، وهو من بيت كبير في بلده، ولما مات وقف على قبره 84 شاعراً يرثونه، وكان يلعب بالشطرنج والنرد، وإذا أراد التأليف أملى على كاتبه علي بن عبد الله بن أبي هاشم، وكان يحرم إيلام الحيوان، ولم يأكل اللحم خمساً وأربعين سنة، وكان يلبس خشن الثياب، أما شعره وهو ديوان حكمته وفلسفته، فثلاثة أقسام: (لزوم ما لا يلزم-ط) ويعرف باللزوميات، و(سقط الزند-ط)، و(ضوء السقط-خ) وقد ترجم كثير من شعره إلى غير العربية وأما كتبه فكثيرة وفهرسها في معجم الأدباء. وقال ابن خلكان: ولكثير من الباحثين تصانيف في آراء المعري وفلسفته،
من تصانيفه كتاب (الأيك والغصون) في الأدب يربو على مائة جزء، (تاج الحرة) في النساء وأخلاقهن وعظاتهن، أربع مائة كراس، و(عبث الوليد-ط) شرح به ونقد ديوان البحتري، و(رسالة الملائكة-ط) صغيرة، و(رسالة الغفران-ط)، و(الفصول والغايات -ط)، و(رسالة الصاهل والشاحج).