قصيدة قف على كنز بباريس دفين للشاعر أحمد شوقي

البيت العربي

قِف عَلى كِنزٍ بِباريسَ دَفين


عدد ابيات القصيدة:84


قِف عَلى كِنزٍ بِباريسَ دَفين
قِــف عَــلى كِــنـزٍ بِـبـاريـسَ دَفـيـن
مِـن فَـريـدٍ فـي المَـعـانـي وَثَـمين
وَاِفـــتَـــقِـــد جَـــوهَــرَةً مِــن شَــرَفٍ
صَــدَفُ الدَهــرِ بِــتُـربَـتِهـا ضَـنـيـن
قَـد تَـوارَت فـي الثَـرى حَـتّـى إِذا
قَـدُمَ العَهـدُ تَـوارَت فـي السِـنـين
غَــرَّبَـت حَـتّـى إِذا مـا اِسـتَـيـأَسَـت
دَنَـــتِ الدارُ وَلَكِـــن لاتَ حـــيـــن
لَم تُــذِب نــارُ الوَغـى يـاقـوتَهـا
وَأَذابَــتــهُ تَــبــاريــحُ الحَــنـيـن
لا تَـــلومـــوهـــا أَلَيـــسَــت حُــرَّةً
وَهَــوى الأَوطــانِ لِلأَحــرارِ ديــن
غَـــيَّبـــَت بــاريــسُ ذُخــراً وَمَــضــى
تُـربُهـا القَـيِّمـُ بِـالحِـرزِ الحَصين
نَـــزَلَ الأَرضَ وَلَكِـــن بَـــعـــدَ مــا
نَـزَلَ التـاريـخَ قَـبـرَ النـابِـغـين
أَعــظُــمُ اللَيــثِ تَـلقـاهـا الشَـرى
وَرُفــاتُ النَــسـرِ حـازَتـهُ الوُكـون
وَحَــوى الغِــمــدُ بَــقــايــا صــارِمٍ
لَم تُــقَـلِّب مِـثـلَهُ أَيـدي القُـيـون
شَـــيَّدَ النـــاسُ عَـــلَيـــهِ وَبَــنــوا
حــائِطَ الشَــكِّ عَــلى أُسِّ اليَــقـيـن
لَســـتَ تُـــحـــصـــي حَـــولَهُ أَلوِيَـــةً
أُسِـــرَت أَمـــسِ وَرايـــاتٍ سُـــبــيــن
نـــامَ عَـــنــهــا وَهــيَ فــي سُــدَّتِهِ
دَيــدَبــانٌ ســاهِــرُ الجَـفـنِ أَمـيـن
وَكَـــــأَيٍّ مِـــــن عَـــــدُوٍّ كـــــاشِــــحٍ
لَكَ بِــالأَمــسِ هُــوَ اليَــومَ خَـديـن
وَوَلّى كـــانَ يَـــســـقـــيــكَ الهَــوى
عَـسَـلاً قَـد بـاتَ يَـسـقـيـكَ الوَزين
فَــإِذا اِســتَــكــرَمــتَ وُدّاً فَـاِتَّهـِم
جَـــوهَـــرُ الوُدِّ وَإِن صَــحَّ ظَــنــيــن
مَـــرمَـــرٌ أُضــجِــعَ فــي مَــســنــونِهِ
حَــجَــرُ الأَرضِ وَضِــرغــامُ العَـريـن
جَـــلَّلَتـــهُ هَـــيـــبَــةُ الثــاوي بِهِ
رَوعَـةَ الحِـكمَةِ في الشِعرِ الرَصين
هَــل دَرى المَــرمَــرُ مــاذا تَـحـتَهُ
مِــن قُـوى نَـفـسٍ وَمِـن خَـلقٍ مَـتـيـن
أَيُّهــا الغــالونَ فــي أَجــداثِهِــم
اِبحَثوا في الأَرضِ هَل عيسى دَفين
يُــمَــحّــي المَــيــتُ وَيَــبـلى رَمـسُهُ
وَيَـغـولُ الرَبـعَ مـا غـالَ القَـطين
حَــصِّنــوا مــا شِــئتُــمُ مَــوتــاكُــمُ
هَـل وَراءَ المَـوتِ مِـن حِـصـنٍ حَـصين
لَيــسَ فــي قَـبـرٍ وَإِن نـالَ السُهـا
مـا يَـزيـدُ المَـيـتَ وَزنـاً وَيَـزيـن
فَـاِنـزِلِ التـاريـخَ قَـبـراً أَو فَنَم
فـي الثَـرى غُفلاً كَبَعضِ الهامِدين
وَاِخــدَعِ الأَحــيـاءَ مـا شِـئتَ فَـلَن
تَـجِـدَ التـاريـخَ فـي المُـنـخَـدِعين
يــا عِـصـامِـيّـاً حَـوى المَـجـدَ سِـوى
فَـضـلَةٍ قَـد قُـسِّمـَت فـي المُـعـرِقين
أُمُّكــَ النَــفــسُ قَــديــمــاً أَكـرَمَـت
وَأَبـوكَ الفَـضـلُ خَـيـرُ المُـنـجِـبين
نَـــسَـــبُ البَــدرِ أَوِ الشَــمــسِ إِذا
جــيــءَ بــاِلآبـاءِ مَـغـمـورٌ رَهـيـن
وَأُصــولُ الخَــمــرِ مــا أَزكـى عَـلى
خُـبـثِ مـا قَـد فَـعَـلَت بِـالشـارِبين
لا يَــقــولَنَّ اِمــرو أَصــلي فَــمــا
أَصــلُهُ مِــســكٌ وَأَصـلُ النـاسِ طـيـن
قَـــد تَـــتَـــوَّجـــتَ فَـــقـــالَت أُمَــمٌ
وَلَدُ الثَـــورَةِ عَـــقَّ الثـــائِريـــن
وَتَــــزَوَّجــــتَ فَــــقــــالوا مــــالَهُ
وَلِحــورٍ مِــن بَــنـاتِ المَـلكِ عـيـن
قَـسَـمـاً لَو قَـدَروا مـا اِحـتَـشَـموا
لا يَــعِــفُّ النــاسُ إِلّا عــاجِـزيـن
أَرَأَيــــتَ الخَــــيــــرَ وافــــى أُمَّةً
لَم يَـنـالوا حَـظَّهـُم في النابِغين
يَـــصـــلُحُ المُـــلكُ عَـــلى طــائِفَــةٍ
هُـم جَـمـالُ الأَرضِ حـيناً بَعدَ حين
مَــلَؤوا الدُنــيــا عَــلى قِــلَّتِهِــم
وَقَــديــمــاً مُــلِئَت بِــالمُــرسَـليـن
يَــحــسُـنُ الدَهـرُ بِهِـم مـا طَـلَعـوا
وَبِهِــم يَــزدادُ حُــســنــاً آفِــليــن
قَـــد أَقـــامـــوا قُـــدوَةً صــالِحَــةً
وَمَــضَــوا أَمــثِــلَةً لِلمُــحــتَــذيــن
إِنَّمــا الأُســوَةُ وَالدُنــيــا أُســىً
سَـبَـبُ العُـمـرانِ نَـظـمُ العـالَمـين
يـا صَـريـعَ المَـوتِ نَـدمـانَ البِلى
كُـــلُّ حَـــيٍّ بِـــالَّذي ذُقـــتَ رَهــيــن
كِــدتَ مِـن قَـتـلِ المَـنـايـا خِـبـرَةً
تَــعــلَمُ الآجــالَ أَيّــانَ تَــحــيــن
يــا مُــبـيـدَ الأَسـدِ فـي آجـامِهـا
هَـل أَبـادَت خَـيـلُكَ الدودَ المَهين
يـا عَـزيـزَ السِـجـنِ بِـالبابا إِلى
كَـم تَـرَدّى فـي الثَـرى ذُلَّ السَجين
رُبَّ يَــــومٍ لَكَ جَـــلّى وَاِنـــثَـــنـــى
ســائِلَ الغُــرَّةِ مَـمـسـوحَ الجَـبـيـن
أَحــرَزَ الغــايَــةَ نَــصــراً غـالِيـاً
لِفَـرَنـسـا وَحَـوى الفَـتـحَ الثَـمـين
قَــيــصَـرا الأَنـسـابِ فـيـهِ نـازَلا
قَـيـصَـرَ النَـفـسِ عِـصـامَ المـالِكين
مُـــجـــلِسَ التـــاجِ عَـــلى مَــفــرِقِهِ
بِــيَـدَيـهِ لا بِـأَيـدي المُـجـلِسـيـن
حَــولَ اِســتَـرلَتـزَ كـانَ المُـتـلَقّـى
وَاِصـطِـدامُ النَـسـرِ بِـالمُـستَنسِرين
وُضِــعَ الشَــطــرَنــجُ فَــاِسـتَـقـبَـلتَهُ
بِــبَــنــانٍ عــابِــثٍ بِــاللاعِــبـيـن
فَـــإِذا المَـــلكــانِ هَــذا خــاضِــعٌ
لَكَ فــي الجَـمـعِ وَهَـذا مُـسـتَـكـيـن
صِـدتَ شـاهَ الروسِ وَالنِـمـسـا مَـعاً
مَـن رَأى شـاهَـيـنِ صَـيـداً في كَمين
يــا مُــلَقّــى النَـصـرِ فـي أَحـلامِهِ
أَيـنَ مِـن وادي الكَـرى سَـنتِ هِلين
يـا مُـنيلَ التاجِ في المَهدِ اِبنُه
مـا الَّذي غَـرَّكَ بِـالغَـيـبِ الجَـنين
اِتَّئـــِد فـــي أُمَّةـــٍ أَرهَـــقـــتَهـــا
إِنَّهــا كَــالنــاسِ مِـن مـاءٍ وَطـيـن
أَتــعَــبَ الريــحَ مَــدى مــا سَـلَكَـت
مِـــن سُهـــولٍ وَأَجــازَت مِــن حُــزون
مِـــــن أَديـــــمٍ يَهــــرَأُ الدُبَّ إِلى
فَــلَواتٍ تُــنــضِــجُ الضَـبَّ الكَـنـيـن
لَكَ فــــي كُــــلِّ مُــــغــــارٍ غــــارَةٌ
وَعَـلَيـهـا الدَمـعُ فـيـهِ وَالأَنـيـن
وَمِـــنَ المَـــكــرِ تَــغَــنّــيــكَ بِهــا
هَـل يُـزَكّـي الذَبـحَ غَيرُ الذابِحين
سُــخِّرَ النــاسُ وَإِن لَم يَــشــعُــروا
لِقَـــوِيٍّ أَو غَـــنِـــيٍّ أَو مُـــبـــيـــن
وَالجَــمـاعـاتُ ثَـنـايـا المُـرتَـقـى
فـي المَـعـالي وَجُـسـورُ العـابِرين
يـا خَـطـيـبَ الدَهرِ هَل مالَ البِلى
بِــلِســانٍ كــانَ مــيــزانَ الشُــؤون
تُــــرجَـــحُ السِـــلمُ إِذا حَـــرَّكـــتَهُ
كِــفَّةــً أَو تُـرجَـحُ الحَـربُ الزَبـون
خُــــطَــــبٌ لا صَــــوتَ إِلّا دونَهــــا
فـي صَـداها الخَيلُ تَجري وَالسِنين
مِـن قَـصـيـرِ اللَفظِ في مَكرِ النُهى
وَطَـويـلِ الرُمـحِ فـي كِبارِ الوَتين
غَــــــيـــــرَ وَضـــــاعٍ وَلا واشٍ وَلا
مُـنـكِـرِ القَـولِ وَلا لَغـوِ اليَـمين
سِــرنَ أَمــثــالاً فَــلَو لَم يُــحــيِهِ
سَــيـفُهُ أَحـيَـيـنَهُ فـي الغـابِـريـن
قُـم إِلى الأَهـرامِ وَاِخـشَـع وَاِطَّرِح
خَـيـلَةَ الصـيـدِ وَزَهـوَ الفـاتِـحـين
وَتَـــمَهَّلـــ إِنَّمـــا تَـــمـــشـــي إِلى
حَــرَمِ الدَهــرِ وَمِــحــرابِ القُــرون
هُــوَ كَــالصَـخـرَةِ عِـنـدَ القِـبـطِ أَو
كَـالحَـطـيـمِ الطُهرِ عِندَ المُسلِمين
وَتَـــسَـــنَّمــ مِــنــبَــراً مِــن حَــجَــرٍ
لَم يَــكُـن قَـبـلَكَ حَـظَّ الخـاطِـبـيـن
وَاِدعُ أَجــيــالاً تَــوَلَّت يَـسـمَـعـوا
لَكَ وَاِبـعَـث فـي الأُوالي حـاشِرين
وَأَعِــــدهــــا كَـــلِمـــاتٍ أَربَـــعـــاً
قَـد أَحـاطَـت بِـالقُـرونِ الأَربَـعين
أَلهَــبَــت خَــيــلاً وَحَــضَّتـ فَـيـلَقـاً
وَأَحــالَت عَــسَــلاً صــابَ المَــنــون
قَـد عَـرَضـتَ الدَهـرَ وَالجَـيـشَ مَـعـاً
غــايَــةٌ قَــصَّرَ عَـنـهـا الفـاتِـحـون
مــا عَــلِمــنــا قـائِداً فـي مَـوطِـنٍ
صَــفَــحَ الدَهــرَ وَصَــفَّ الدارِعــيــن
فَــتَــرى الأَحــيــاءَ فــي مُــعـتَـرَكٍ
وَتَـرى المَـوتـى عَـلَيـهِـم مُـشـرِفين
عِـــظَـــةٌ قـــومـــي بِهــا أَولى وَإِن
بَــعُــدَ العَهــدُ فَهَــل يَــعــتَـبِـرون
هَــــذِهِ الأَهــــرامُ تــــاريـــخُهُـــمُ
كَـيـفَ مِـن تـاريـخِهِـم لا يَـسـتَحون
يـا كَـثـيـرَ الصَـيـدِ لِلصَيدِ العُلا
قُـم تَـأَمَّلـ كَـيـفَ صـادَتـكَ المَـنون
قُـم تَـرَ الدُنـيـا كَـمـا غـادَرتَهـا
مَــنـزِلَ الغَـدرِ وَمـاءَ الخـادِعـيـن
وَتَــرَ الحَــقَّ عَــزيـزاً فـي القَـنـا
هَـيِّنـاً فـي العُـزَّلِ المُـسـتَـضـعَفين
وَتَــــرَ الأَمـــرَ يَـــداً فَـــوقَ يَـــدٍ
وَتَــرَ النــاسَ ذِئابــاً وَضــيــئيــن
وَتَـــــرَ العِـــــزَّ لِسَــــيــــفٍ نَــــزِقٍ
فــي بِـنـاءِ المُـلكِ أَو رَأيٍ رَزيـن
سُـــنَـــنٌ كــانَــت وَنَــظــمٌ لَم يَــزَل
وَفَــســادٌ فَــوقَ بــاعِ المُـصـلِحـيـن
شاركها مع اصدقائك

مشاركات الزوار

شاركنا بتعليق مفيد

الشاعر:

أحمد بن علي بن أحمد شوقي. أشهر شعراء العصر الأخير، يلقب بأمير الشعراء، مولده ووفاته بالقاهرة، كتب عن نفسه: (سمعت أبي يردّ أصلنا إلى الأكراد فالعرب) نشأ في ظل البيت المالك بمصر، وتعلم في بعض المدارس الحكومية، وقضى سنتين في قسم الترجمة بمدرسة الحقوق، وارسله الخديوي توفيق سنة 1887م إلى فرنسا، فتابع دراسة الحقوق في مونبلية، واطلع على الأدب الفرنسي وعاد سنة 1891م فعين رئيساً للقلم الإفرنجي في ديوان الخديوي عباس حلمي. وندب سنة 1896م لتمثيل الحكومة المصرية في مؤتمر المستشرقين بجينيف. عالج أكثر فنون الشعر: مديحاً، وغزلاً، ورثاءً، ووصفاً، ثم ارتفع محلقاً فتناول الأحداث الاجتماعية والسياسية في مصر والشرق والعالم الإسلامي وهو أول من جود القصص الشعري التمثيلي بالعربية وقد حاوله قبله أفراد، فنبذهم وتفرد. وأراد أن يجمع بين عنصري البيان: الشعر والنثر، فكتب نثراً مسموعاً على نمط المقامات فلم يلق نجاحاً فعاد إلى الشعر.
مولده 16-10-1868 ووفاته 14-10-1932
تصنيفات قصيدة قِف عَلى كِنزٍ بِباريسَ دَفين