قصيدة لا السهد يدنيني إليه ولا الكرى للشاعر أحمد شوقي

البيت العربي

لا السُهدُ يُدنيني إِلَيهِ وَلا الكَرى


عدد ابيات القصيدة:68


لا السُهدُ يُدنيني إِلَيهِ وَلا الكَرى
لا السُهدُ يُدنيني إِلَيهِ وَلا الكَرى
طَــيــفٌ يَــزورُ بِــفَــضـلِهِ مَهـمـا سَـرى
تَــخِــذَ الدُجــى وَسَــمــاءَهُ وَنُــجــومَهُ
سُـبُـلاً إِلى جَـفـنَـيـكِ لَم يَرضَ الثَرى
وَأَتــاكَ مَــوفــورَ النَــعـيـمِ تَـخـالُهُ
مَــلَكــاً تَــنُــمُّ بِهِ السَــمـاءُ مُـطَهَّرا
عَــلِمَ الظَــلامُ هُــبــوطَهُ فَــمَـشَـت لَهُ
أَهــــدابُهُ يَــــأخُـــذنَهُ مُـــتَـــحَـــدِّرا
وَحَـمـى النَـسـائِمَ أَن تَروحَ وَأَن تَجي
حَــذَراً وَخَــوفــاً أَن يُــراعَ وَيُـذعَـرا
وَرَقَـــدتَ تُـــزلِفُ لِلخَــيــالِ مَــكــانَهُ
بَـيـنَ الجُـفـونِ وَبَـيـنَ هُدبِكَ وَالكَرى
فَهَــنِــئتَهُ مِــثــلَ السَـعـادَةِ شـائِقـاً
مُــتَــصَــوِّراً مــا شِــئتَ أَن يَــتَـصَـوَّرا
تَـطـوي لَهُ الرَقـبـاءُ مَـنـصورَ الهَوى
وَتَــدوسُ أَلسِــنَــةَ الوُشــاةِ مُــظَــفَّرا
لَولا اِمتِنانُ العَينِ يا طَيفَ الرِضا
مــا ســامَـحَـت أَيّـامَهـا فـيـمـا جَـرى
بــاتَــت مُــشَــوَّقَــةً وَبــاتَ سَــوادُهــا
زونــا بِــتِــمـثـالِ الجَـمـالِ مُـنَـوِّرا
تُـعـطـى المُـنـى وَتُـنـيـلُهُـنَّ خَـليـقَـةً
بِــكَ أَن تُـقَـدِّمَ فـي المِـنـى وَتُـؤَخِّرا
وَتُــعــانِــقُ القَـمَـرَ السَـنِـيَّ عَـزيـزَةً
حَــتّــى إِذا وَدَّعــتَ عــانَــقـتَ الثَـرى
فــي لَيــلَةٍ قَــدِمَ الوُجــودَ هِـلالُهـا
فَــدَنَــت كَــواكِــبُهـا تُـعَـلِّمُهُ السُـرى
وَتُــريــهِ آثــارَ البُــدورِ لِيَـقـتَـفـي
وَيَــرى لَهُ المــيــلادُ أَن يَــتَـصَـدَّرا
نــاجَـيـتُ مَـن أَهـوى وَنـاجـانـي بِهـا
بَـيـنَ الرِيـاضِ وَبَـيـنَ مـاءِ سُـوَيـسِرا
حَـيـثُ الجِـبـالُ صِـغـارُهـا وَكِـبـارُهـا
مِـن كُـلِّ أَبـيَـضَ فـي الفَـضاءِ وَأَخضَرا
تَـخِـذَ الغَـمـامُ بِهـا بُـيوتاً فَاِنجَلَت
مَــشـبـوبَـةَ الأَجـرامِ شـائِبَـةَ الذُرى
وَالصَــخــرُ عـالٍ قـامَ يُـشـبِهُ قـاعِـداً
وَأَنــافَ مَــكـشـوفَ الجَـوانِـبِ مُـنـذِرا
بَــيـنَ الكَـواكِـبِ وَالسَـحـابِ تَـرى لَهُ
أُذُنـاً مِـنَ الحَـجَـرِ الأَصَـمِّ وَمِـشـفَـرا
وَالسَــفــحُ مِــن أَيِّ الجِهــاتِ أَتَـيـتَهُ
أَلفَـــيـــتَهُ دَرَجـــاً يَـــمــوجُ مُــدَوَّرا
نَـثَـرَ الفَـضـاءُ عَـلَيـهِ عِـقـدَ نُـجـومِهِ
فَــبَــدا زَبَــرجَــدُهُ بِهِــنَّ مُــجَــوهَــرا
وَتَــنَــظَّمــَت بــيــضُ البُـيـوتِ كَـأَنَّهـا
أَوكــارُ طَــيــرٍ أَو خَــمــيـسٌ عَـسـكَـرا
وَالنَــجــمُ يَــبـعَـثُ لِلمِـيـاهِ ضِـيـاءَهُ
وَالكَهـرُبـاءُ تُـضـيـءُ أَثـنـاءَ الثَـرى
هــامَ الفِـراشُ بِهـا وَحـامَ كَـتـائِبـاً
يَـحـكـي حَـوالَيـهـا الغَـمـامُ مُـسَـيَّرا
خُــلِقَــت لِرَحــمَــتِهِ فَــبــاتَــت نــارُهُ
بَــرداً وَنــارُ العــاشِــقـيـنَ تَـسَـعُّرا
وَالمـاءُ مِـن فَـوقِ الدِيـارِ وَتَـحـتَها
وَخِــلالِهـا يَـجـري وَمِـن حَـولِ القُـرى
مُــتَــصَــوِّبــاً مُــتَــصَــعِّداً مُــتَــمَهِّلــاً
مُــتَــسَــرِّعــاً مُــتَــسَــلسِـلاً مُـتَـعَـثِّرا
وَالأَرضُ جِــســرٌ حَــيــثُ دُرتَ وَمَــعـبَـرٌ
يَـصِـلانِ جِـسـراً فـي المِـياهِ وَمَعبَرا
وَالفُــلكُ فـي ظِـلِّ البُـيـوتِ مَـواخِـراً
تَـطـوي الجَـداوِلَ نَـحـوَهـا وَالأَنهُرا
حَــتّــى إِذا هَــدَأَ المَــلا فـي لَيـلِهِ
جـــاذَبـــتُ لَيــلي ثَــوبَهُ مُــتَــحَــيِّرا
وَخَــرَجـتُ مِـن بَـيـنَ الجُـسـورِ لَعَـلَّنـي
أَسـتَـقـبِـلُ العَـرفَ الحَـبيبَ إِذا سَرى
آوي إِلى الشَــجَــراتِ وَهــيَ تَهُــزُّنــي
وَقَـدِ اِطـمَـأَنَّ الطَـيـرُ فـيها بِالكَرى
وَيَهُــزُّ مِــنّــي المــاءُ فــي لَمَـعـانِهِ
فَـأَمـيـلُ أَنـظُـرُ فـيـهِ أَطـمَعُ أَن أَرى
وَهُـنـالِكَ اِزدَهَـتِ السَـمـاءُ وَكـانَ أَن
آنَــســتُ نــوراً مــا أَتَــمَّ وَأَبــهَــرا
فَــــسَــــرَيـــتُ فـــي لَألائِهِ وَإِذا بِهِ
بَــدرٌ تُــســايِــرُهُ الكَــواكِــبُ خُــطَّرا
حُـلُمٌ أَعـارَتـنـي العِـنـايَـةُ سَـمـعَهـا
فـيـهِ فَـمـا اِسـتَـتـمَـمـتُ حَـتّـى فُـسِّرا
فَــرَأَيــتُ صَــفــوى جَهــرَةً وَأَخَــذتُ أَن
ســى يَــقــظَــةً وَمُــنــايَ لَبَّتــ حُــضَّرا
وَأَشَــرتَ هَـل لُقـيـا فَـأوحِـيَ أَن غَـداً
بِـالطَـودِ أَبـيَـضَ مِـن جِـبـالِ سُـوَيسِرا
إِن أَشــرَقَــت زَهـراءَ تَـسـمـو لِلضُـحـى
وَإِذا هَــوَت حَـمـراءَ فـي تِـلكَ الذُرى
فَــشُــروقُهــا مِــنــهُ أَتَــمُّ مَـعـانِـيـاً
وَغُــروبُهــا أَجــلى وَأَكــمَـلُ مَـنـظَـرا
تَـــبـــدو هُــنــالِكَ لِلوُجــودِ وَليــدَةً
تَهـنـا بِهـا الدُنـيا وَيَغتَبِطُ الثَرى
وَتُــضــيــءُ أَثــنــاءَ الفَـضـاءِ بِـغُـرَّةٍ
لاحَــت بِــرَأسِ الطَـودِ تـاجـاً أَزهَـرا
فَـسَـمَـت فَـكـانَـت نِـصـفَ طـارٍ مـا بَدا
حَــتّــى أَنــافَ فَــلاحَ طــاراً أَكـبَـرا
يَـعـلو العَـوالِمَ مُـسـتَـقِـلّاً نـامِـيـاً
مُــســتَـعـصِـيـاً بِـمَـكـانِهِ أَن يُـنـقَـرا
ســالَت بِهِ الآفــاقُ لَكِــن عَــســجَــداً
وَتَــغَــطَّتــِ الأَشــبــاحُ لَكِــن جَـوهَـرا
وَاِهـــتَـــزَّ فَــالدُنــيــا لَهُ مُهــتَــزَّةٌ
وَأَنــارَ فَــاِنـكَـشَـفَ الوُجـودُ مُـنَـوَّرا
حَــتّــى إِذا بَــلَغَ السُــمُــوُّ كَــمــالَهُ
أَذِنَـت لِداعـي النَقصِ تَهوى القَهقَرى
فَــدَنَــت لِنــاظِــرِهـا وَدانَ عَـنـانُهـا
وَتَـبَـدَّلَ المُـسـتَـعـظِـمُ المُـسـتَـصـغِـرا
وَاِصــفَــرَّ أَبــيَــضُ كُــلِّ شَـيـءٍ حَـولَهـا
وَاِحــمَــرَّ بُـرقُـعُهـا وَكـانَ الأَصـفَـرا
وَسَـمـا إِلَيـهـا الطَـودُ يَـأخُذُها وَقَد
جَــعَــلَت أَعــالِيَهُ شَــريــطــاً أَحـمَـرا
مَــسَّتــهُ فَــاِشــتَـعَـلَت بِهـا جَـنَـبـاتُهُ
وَبَــدَت ذُراهُ الشُــمُّ تَـحـمِـلُ مِـجـمَـرا
فَـــكَـــأَنَّمـــا مَـــدَّت بِهِ نــيــرانَهــا
شَـرَكـاً لِتَـصـطـادَ النَهـارَ المُـدبِـرا
حَــرَقَــتــهُ وَاِحــتَــرَقَـت بِهِ فَـتَـوَلَّيـا
وَأَتـى طُـلولَهُـمـا الظَـلامُ فَـعَـسـكَرا
فَـشُـروقُهـا الأَمَـلُ الحَبيبُ لِمَن رَأى
وَغُـروبُهـا الأَجَـلُ البَـغيضُ لِمَن دَرى
خَـطـبـانِ قـاما بِالفَناءِ عَلى الصَفا
مـا كـانَ بَـيـنَهُـمـا الصَفاءُ لِيَعمُرا
تَــتَــغَــيَّرُ الأَشــيـاءُ مَهـمـا عـاوَدا
وَاللَهُ عَــــزَّ وَجَـــلَّ لَن يَـــتَـــغَـــيَّرا
أَنــهــارُنــا تَــحـتَ السَـليـفِ وَفَـوقَهُ
وَلَدى جَــوانِــبِهِ وَمــا بَــيــنَ الذُرى
رَجــلاً وَرُكــبــانــاً وَزَحــلَقَــةً عَــلى
عَــجــلٍ هُــنــالِكَ كَهــرُبــائِيِّ السَــرى
فــي مَــركَــبٍ مُــســتَــأنِــسٍ ســالَت بِهِ
قُــضُــبُ الحَــديــدِ تَــعَـرُّجـاً وَتَـحَـدُّرا
يَـنـسـابُ مـا بَـيـنَ الصُـخـورِ تَـمَهُّلـاً
وَيَــخِــفُّ بَــيــنَ الهُــوَّتَــيــنِ تَـخَـطُّرا
وَإِذا اِعــتَــلى بِــالكَهـرُبـاءِ لِذَروَةٍ
عَــصــمــاءَ هَــمَّ مُــعـانِـقـاً مُـتَـسَـوِّرا
لَمّــا نَــزَلنــا عَــنـهُ فـي أُمِّ الذُرى
قُـمـنـا عَـلى فَـرعِ السَـليـفِ لِنَـنظُرا
أَرضٌ تَــمــوجُ بِهــا المَــنــاظِـرُ جَـمَّةٌ
وَعَــوالِمٌ نِــعــمَ الكِـتـابُ لِمَـن قَـرا
وَقُــرىً ضَــرَبـنَ عَـلى المَـدائِنِ هـالَةً
وَمَـــدائِنٌ حَـــلَّيــنَ أَجــيــادَ القُــرى
وَمَـــــزارِعٌ لِلنـــــاظِــــريــــنَ رَوائِعٌ
لَبِــسَ الفَـضـاءُ بِهـا طِـرازاً أَخـضَـرا
وَالمـــاءُ غَـــدرٌ مـــا أَرَقَّ وَأَغـــزَرا
وَجَــداوِلٌ هُــنَّ اللُجَــيــنُ وَقَــد جَــرى
فَــحَــشَـونَ أَفـواهَ السُهـولِ سَـبـائِكـاً
وَمَــلَأنَ أَقــبــالَ الرَواسِــخِ جَـوهَـرا
قَـد صَـغَّرَ البُـعـدُ الوُجـودَ لَنـا فَيا
لِلَّهِ مـــا أَحـــلى الوُجــودَ مُــصَــغَّرا
شاركها مع اصدقائك

مشاركات الزوار

شاركنا بتعليق مفيد

الشاعر:

أحمد بن علي بن أحمد شوقي. أشهر شعراء العصر الأخير، يلقب بأمير الشعراء، مولده ووفاته بالقاهرة، كتب عن نفسه: (سمعت أبي يردّ أصلنا إلى الأكراد فالعرب) نشأ في ظل البيت المالك بمصر، وتعلم في بعض المدارس الحكومية، وقضى سنتين في قسم الترجمة بمدرسة الحقوق، وارسله الخديوي توفيق سنة 1887م إلى فرنسا، فتابع دراسة الحقوق في مونبلية، واطلع على الأدب الفرنسي وعاد سنة 1891م فعين رئيساً للقلم الإفرنجي في ديوان الخديوي عباس حلمي. وندب سنة 1896م لتمثيل الحكومة المصرية في مؤتمر المستشرقين بجينيف. عالج أكثر فنون الشعر: مديحاً، وغزلاً، ورثاءً، ووصفاً، ثم ارتفع محلقاً فتناول الأحداث الاجتماعية والسياسية في مصر والشرق والعالم الإسلامي وهو أول من جود القصص الشعري التمثيلي بالعربية وقد حاوله قبله أفراد، فنبذهم وتفرد. وأراد أن يجمع بين عنصري البيان: الشعر والنثر، فكتب نثراً مسموعاً على نمط المقامات فلم يلق نجاحاً فعاد إلى الشعر.
مولده 16-10-1868 ووفاته 14-10-1932
تصنيفات قصيدة لا السُهدُ يُدنيني إِلَيهِ وَلا الكَرى