قصيدة لعمرك ما كل انكسار له جبر للشاعر معروف الرصافي

البيت العربي

لعمرك ما كل انكسار له جبر


عدد ابيات القصيدة:31


لعمرك ما كل انكسار له جبر
لعــمــرك مــا كـل انـكـسـار له جـبـر
ولا كــل سّــر يــسـتـطـاع بـه الجـهـر
لقـد ضـربـت كـفّ الحـيـاة على الحِجا
سـتـاراً فـعِـلم القوم في كنهها نزر
فـقـمـنـا جـمـيـعـاً مـن وراء سـتارها
نــقــول بــشــوق مـا وراءك يـا سـتـر
حـكـت سـرحـة فـنـواء نُـبـصـر فـرعـهـا
ولم ندرِ منها ما الأنابيش والجذر
وقـد قـال بـعـض القـوم إن حـيـاتـنا
كــليـلٍ وإن الفـجـر مـطـلعـه القـبـر
وروح الفتى بعد الردى إن يكن لها
بــقــاء وحــسّ فـالحـيـاة هـي الخُـسـر
وإن رقــيــت نــحـو السـمـاء فـحـبّـذا
إذا أصبحت مأوىً لها الأنجم الزهر
وأعــجـب شـأن فـي الحـيـاة شـعـورنـا
وأعـجـب شـأن فـي الشـعـور هو الحجر
وللنــفـس فـي أفـق الشـعـور مـخـايـل
إذا بـرقـت فـالفـكـر فـي برقها قطر
ومــا كــل مـشـعـور بـه مـن شـؤونـهـا
قـديـر عـلى إيـضـاحـه المـنـطق الحر
فـفـي النفس ما أعيا العبارة كشفُه
وقـصّـر عـن تـبـيـانـه النـظم والنثر
ومـن خـاطـرات النـفس ما لم يقم به
بـيـان ولم يَـنـهـض بـأعـبـائه الشعر
ويــا ربّ فــكـرٍ حـاك فـي صـدر نـاطـق
فـضـاق مـن النـطق الفسيح به الصدر
ويــا ربّ فــكــر دق حــتــى تــخـاوصـت
إليـه مـن الألفـاظ أعـيـنـها الخزر
أرى اللفـظ مـعـدوداً فـكـيـف أسـومـه
كـفـايـة مـعـنّـى فـاتـه العدّ والحصر
وافـق المـعـانـي فـي التـصـور واسـع
يـتـيـه إذا مـا طـار فـي جوّه الفكر
ولولا قـصـور فـي اللغـى عن مرامنا
لمـا كـان فـي قـول المجاز لنا عذر
ولســت أخُــص الشــعـر بـالكَـلمِ التـي
تُــنـظّـم أبـيـاتـاً كـمـا يـنـظـم الدرّ
وذاك لأن الشــعــر أوســع مــن لغــى
يـكـون عـلى فـعـل اللسـان لهـا قـصر
ومـا الشـعـر إلا كـلّ ما رنّح الفتى
كـمـا رنّـحـت أعـطـافَ شـاربـها الخمر
وحــرّك فـيـه سـاكـنَ الوجـد فـاغـتـدى
مـهـيـجـاً كما يستنّ في المرح المُهر
فـمـن نـفـثـات الشـعـر سـجـع حـمـامـة
عـلى أَيْـكـة يُـشـجـي المشوق لها هدر
ومــن شــذرات الشــعــر حــوم فـراشـة
على الزهر في روض به ابتسم الزهر
ومــن ضــحـكـات الشـعـر دمـعـة عـاشـق
بـهـا قـد شـكا للوصل ما فعل الهجر
ومــن لمــعــات الشــعـر نـظـرة غـادة
بـنـجلاء تسبي القلب في طرَفْها فتر
ومــن جــمــرات الشــعــر رنّــة ثـاكـل
مــفــجّــعــة أودى بــواحــدهـا الدهـر
ومـن نـفـحـات الشـعـر تـرجـيـع مـطرب
تـعـاور مَـجـرى صـوتـه الخفض والنبر
وإن مــن الشــعــر ائتــلاق كــواكــب
بـجـنـح الدجـى باتت يضاحكها البدر
وإن لريــــحـــانـــيِّنـــا شـــاعـــرّيـــةً
مـن الشـعر فيها أن يقال هي الشعر
ومـا الشـعر إلا الروض أما أميننا
فـريـحـانـه والخـلق مـنـه هـو النشر
وإن لم يكن شعري من الشعر لم يكن
لعـمـرُ النهى للشعر عند النهى قدر
شاركها مع اصدقائك

مشاركات الزوار

شاركنا بتعليق مفيد

الشاعر:

معروف بن عبد الغني البغدادي الرصافي.
شاعر العراق في عصره، من أعضاء المجمع العلمي العربي (بدمشق)، أصله من عشيرة الجبارة في كركوك، ويقال إنها علوية النسب.
ولد ببغداد، ونشأ بها في الرصافة، وتلقى دروسه الابتدائية في المدرسة الرشيدية العسكرية، ولم يحرز شهادتها.
وتتلمذ لمحمود شكري الآلوسي في علوم العربية وغيرها، زهاء عشر سنوات، واشتغل بالتعليم، ونظم أروع قصائده، في الاجتماع والثورة على الظلم قبل الدستور العثماني.
ورحل بعد الدستور إلى الأستانة، فعين معلماً للعربية في المدرسة الملكية، وانتخب نائباً عن (المنتفق) في مجلس (المبعوثان) العثماني.
وانتقل بعد الحرب العالمية الأولى إلى دمشق سنة (1918)، ورحل إلى القدس وعين مدرساً للأدب العربي في دار المعلمين بالقدس، وأصدر جريدة الأمل يومية سنة (1923) فعاشت أقل من ثلاثة أشهر، وانتخب في مجلس النواب في بغداد.
وزار مصر سنة (1936)، ثم قامت ثورة رشيد عالي الكيلاني ببغداد فكان من خطبائها وتوفي ببيته في الأعظمية ببغداد.
له كتب منها (ديوان الرصافي -ط) (دفع الهجنة - ط)
(محاضرات في الأدب العربي - ط) وغيرها الكثير.