البيت العربي
ناشِئٌ في الوَردِ مِن أَيّامِهِ
عدد ابيات القصيدة:57
نــاشِــئٌ فــي الوَردِ مِــن أَيّــامِهِ
حَـــســـبُهُ اللَهُ أَبِــالوَردِ عَــثَــر
سَــدَّدَ السَهــمَ إِلى صَــدرِ الصِـبـا
وَرَمــاهُ فــي حَــواشــيــهِ الغُــرَر
بِـــيَـــدٍ لا تَـــعـــرِفُ الشَــرَّ وَلا
صَــلَحَــت إِلّا لِتَــلهــو بِــالأُكَــر
بُــسِــطَــت لِلسُــمِّ وَالحَــبــلِ وَمــا
بُــسِــطَــت لِلكَـأسِ يَـومـاً وَالوَتَـر
غَـــــفَـــــرَ اللَهُ لَهُ مــــا ضَــــرَّهُ
لَو قَـضـى مِـن لَذَّةِ العَـيشِ الوَطَر
لَم يُــمَــتَّعــ مِــن صِــبــا أَيّــامِهِ
وَلَيــــاليــــهِ أَصـــيـــلٌ وَسَـــحَـــر
يَــتَــمَــنّــى الشَـيـخُ مِـنـهُ سـاعَـةً
بِـحِـجـابِ السَـمـعِ أَو نـورِ البَصَر
لَيــسَ فــي الجَــنَّةــِ مــا يُـشـبِهُهُ
خِــفَّةــً فـي الظِـلِّ أَو طـيـبَ قِـصَـر
فَــصِــبــا الخُــلدِ كَــثــيــرٌ دائِمٌ
وَصِـبـا الدُنـيـا عَـزيـزٌ مُـخـتَـصَـر
كُــــلُّ يَــــومٍ خَـــبَـــرٌ عَـــن حَـــدَثٍ
سَــئِمَ العَــيــشَ وَمَـن يَـسـأَم يَـذَر
عـافَ بِـالدُنـيـا بِـنـاءً بَـعـدَ ما
خَــطَــبَ الدُنــيــا وَأَهــدى وَمَهَــر
حَــلَّ يَــومَ العُـرسِ مِـنـهـا نَـفـسَهُ
رَحِــمَ اللَهُ العَــروسُ المُـخـتَـضَـر
ضــاقَ بِــالعــيــشَــةِ ذَرعـاً فَهَـوى
عَـن شَـفـا اليَـأسِ وَبِئسَ المُنحَدَر
راحِـلاً فـي مِـثـلِ أَعـمـارِ المُنى
ذاهِــبـاً فـي مِـثـلِ آجـالِ الزَهَـر
هـارِبـاً مِـن سـاحَـةِ العَـيـشِ وَمـا
شــارَفَ الغَـمـرَةَ مِـنـهـا وَالغُـدُر
لا أَرى الأَيّــامَ إِلّا مَــعــرَكــاً
وَأَرى الصِـنـديـدَ فـيـهِ مَـن صَـبَـر
رُبَّ واهــي الجَــأشِ فــيــهِ قَــصَــفٌ
مــاتَ بِــالجُـبـنِ وَأَودى بِـالحَـذَر
لامَهُ النـــاسُ وَمـــا أَظـــلَمَهُـــم
وَقَــليــلٌ مَــن تَــغــاضـى أَو عَـذَر
وَلَقَـــد أَبـــلاكَ عُــذراً حَــسَــنــاً
مُرتَدي الأَكفانِ مُلقىً في الحُفَر
قـــالَ نـــاسٌ صَـــرعَـــةٌ مِــن قَــدَرٍ
وَقَــديــمــاً ظَــلَمَ النـاسُ القَـدَر
وَيَـــقـــولُ الطِــبُّ بَــل مِــن جَــنَّةٍ
وَرَأَيـتُ العَـقـلَ فـي النـاسِ نَـدَر
وَيَـــــقـــــولونَ جَـــــفـــــاءٌ راعَهُ
مِــن أَبٍ أَغــلَظَ قَــلبـاً مِـن حَـجَـر
وَاِمـــتِـــحـــانٌ صَـــعَّبــَتــهُ وَطــأَةٌ
شَـدَّهـا فـي العِـلمِ أُسـتـاذٌ نَـكِـر
لا أَرى إِلّا نِــظــامــاً فــاسِــداً
فَــكَّكــَ الغَــلمَ وَأَودى بِــالأُسَــر
مِــن ضَــحــايــاهُ وَمــا أَكــثَـرَهـا
ذَلِكَ الكــارِهُ فــي غَــضِّ العُــمُــر
مـا رَأى فـي العَـيـشِ شَـيـئاً سَرَّهُ
وَأَخَــفُّ العَــيــشِ مــا ســاءَ وَسَــر
نَــزَلَ العَــيــشَ فَـلَم يَـنـزِل سِـوى
شُــعــبَـةِ الهَـمِّ وَبَـيـداءِ الفِـكَـر
وَنَهـــارٍ لَيـــسَ فـــيـــهِ غِــبــطَــةٌ
وَلَيـــالٍ لَيـــسَ فـــيـــهِــنَّ سَــمَــر
وَدُروسٍ لَم يُــــذَلِّل قَــــطــــفَهــــا
عـــالِمٌ إِن نَـــطَــقَ الدَرسَ سَــحَــر
وَلَقَــد تُــنــهِــكُهُ نَهــكَ الضَــنــى
ضَـــرَّةٌ مَـــنــظَــرُهــا سُــقــمٌ وَضُــر
وَيُــلاقــي نَــصَـبـاً مِـمّـا اِنـطَـوى
فـي بَـنـي العَـلّاتِ مِـن ضِـغنٍ وَشَر
إِخـــوَةٌ مـــا جَــمَــعَــتــهُــم رَحِــمٌ
بَـعـضُهُـم يَـمـشـونَ لِلبَـعـضِ الخَمَر
لَم يُـــرَفـــرِف مَــلَكُ الحُــبِّ عَــلى
أَبَـوَيـهِـم أَو يُـبـارِك فـي الثَمَر
خَــــلَقَ اللَهُ مِـــنَ الحُـــبِّ الوَرى
وَبَــنــى المُــلكَ عَــلَيــهِ وَعَــمَــر
نَــشَــأَ الخَــيــرِ رُوَيـداً قَـتـلُكُـم
فـي الصِـبـا النَـفـسَ ضَـلالٌ وَخُسُر
لَو عَـصَـيـتُـمُ كـاذِبِ اليَـأسِ فَـمـا
فـي صِـبـاهـا يَنحَرُ النَفَسَ الضَجَر
تُـضـمِـرُ اليَـأسَ مِـنَ الدُنـيا وَما
عِـنـدَهـا عَـن حـادِثِ الدُنـيا خَبَر
فــيــمَ تَــجــنــونَ عَــلى آبـائِكُـم
أَلَمَ الثُـكـلِ شَـديـداً فـي الكِـبَر
وَتَــــعُـــقّـــونَ بِـــلاداً لَم تَـــزَل
بَــيــنَ إِشــفــاقٍ عَــلَيــكُـم وَحَـذَر
فَــمُــصــابُ المُــلكِ فــي شُــبّــانِهِ
كَـمُـصابِ الأَرضِ في الزَرعِ النَضِر
لَيــسَ يَــدري أَحَــدٌ مِــنـكُـم بِـمـا
كـانَ يُـعـطـى لَو تَـأَنّـى وَاِنـتَـظَر
رُبَّ طِــــفــــلٍ بَــــرَّحَ البُــــؤسُ بِهِ
مُــطِــرَ الخَــيــرَ فَــتِــيّــاً وَمَـطَـر
وَصَــــبِــــيٍّ أَزرَتِ الدُنــــيــــا بِهِ
شَـبَّ بَـيـنَ العِـزِّ فـيـهـا وَالخَـطَر
وَرَفـــــيـــــعٍ لَم يُـــــسَـــــوِّدهُ أَبٌ
مَـن أَبـو الشَـمـسِ وَمَن جَدُّ القَمَر
فَـــلَكٌ جـــارٍ وَدُنـــيـــا لَم يَــدُم
عِندَها السَعدُ وَلا النَحسُ اِستَمَر
رَوِّحــوا القَــلبَ بِــلَذّاتِ الصِـبـا
فَــكَــفـى الشَـيـبُ مَـجـالاً لِلكَـدَر
عـالِجـوا الحِكمَةَ وَاِستَشفوا بِها
وَاِنشُدوا ما ضَلَّ مِنها في السِيَر
وَاِقـــرَأوا آدابَ مَـــن قَــبــلِكُــم
رُبَّمـــا عَـــلَّمَ حَــيّــاً مَــن غَــبَــر
وَاِغــنَــمـوا مـا سَـخَّرَ اللَهُ لَكُـم
مِـن جَـمـالٍ فـي المَعاني وَالصُوَر
وَاِطلُبوا العِلمَ لِذاتِ العِلمِ لا
لِشَهــــــــــاداتٍ وَآرابٍ أُخَــــــــــر
كَـــم غُـــلامٍ خـــامِـــلٍ فــي دَرسِهِ
صـارَ بَـحـرَ العِـلمِ أُستاذَ العُصُر
وَمُــجِــدٍّ فــيــهِ أَمــســى خــامِــلاً
لَيـسَ فـيـمَـن غـابَ أَو فـيمَن حَضَر
قــاتِــلُ النَــفــسِ لَو كــانَــت لَهُ
أَســخَــطَ اللَهَ وَلَم يُــرضِ البَـشَـر
ســاحَــةُ العَـيـشِ إِلى اللَهِ الَّذي
جَـــعَـــلَ الوِردَ بِـــإِذنٍ وَالصَـــدَر
لا تَــمــوتُ النَـفـسُ إِلّا بِـاِسـمِهِ
قــامَ بِــالمَــوتِ عَــلَيــهـا وَقَهَـر
إِنَّمــا يَــســمَـحُ بِـالروحِ الفَـتـى
سـاعَـةَ الرَوعِ إِذا الجَمعُ اِشتَجَر
فَهُــنــاكَ الأَجــرُ وَالفَـخـرُ مَـعـاً
مَـن يَـعِـش يُـحـمَـد وَمَـن مـاتَ أُجِر
مشاركات الزوار
شاركنا بتعليق مفيد
الشاعر: أحمد شوقي
مولده 16-10-1868 ووفاته 14-10-1932