قصيدة ولد الهدى فالكائنات ضياء للشاعر أحمد شوقي

البيت العربي

وُلِدَ الهُدى فَالكائِناتُ ضِياءُ


عدد ابيات القصيدة:131


وُلِدَ الهُدى فَالكائِناتُ ضِياءُ
وُلِدَ الهُـــدى فَـــالكــائِنــاتُ ضِــيــاءُ
وَفَـــمُ الزَمـــانِ تَـــبَـــسُّمـــٌ وَثَـــنــاءُ
الروحُ وَالمَــــلَأُ المَــــلائِكُ حَــــولَهُ
لِلديــــنِ وَالدُنــــيــــا بِهِ بُـــشَـــراءُ
وَالعَــرشُ يَــزهـو وَالحَـظـيـرَةُ تَـزدَهـي
وَالمُــنــتَهــى وَالسِــدرَةُ العَــصــمــاءُ
وَحَــديـقَـةُ الفُـرقـانِ ضـاحِـكَـةُ الرُبـا
بِـــالتُـــرجُـــمـــانِ شَـــذِيَّةـــٌ غَـــنّـــاءُ
وَالوَحــيُ يَــقــطُـرُ سَـلسَـلاً مِـن سَـلسَـلٍ
وَاللَوحُ وَالقَــــلَمُ البَــــديــــعُ رُواءُ
نُـظِـمَـت أَسـامـي الرُسـلِ فَهـيَ صَـحـيـفَةٌ
فـــي اللَوحِ وَاِســـمُ مُــحَــمَّدٍ طُــغَــراءُ
اِســمُ الجَــلالَةِ فــي بَــديــعِ حُــروفِهِ
أَلِفٌ هُــــنــــالِكَ وَاِســــمُ طَهَ البــــاءُ
يــا خَــيــرَ مَــن جـاءَ الوُجـودَ تَـحِـيَّةً
مِـن مُـرسَـليـنَ إِلى الهُـدى بِـكَ جاؤوا
بَــيــتُ النَــبِـيّـيـنَ الَّذي لا يَـلتَـقـي
إِلّا الحَــنــائِفُ فــيــهِ وَالحُــنَــفــاءُ
خَــــيـــرُ الأُبُـــوَّةِ حـــازَهُـــم لَكَ آدَمٌ
دونَ الأَنــــــامِ وَأَحــــــرَزَت حَــــــوّاءُ
هُــم أَدرَكــوا عِــزَّ النُـبُـوَّةِ وَاِنـتَهَـت
فــيــهــا إِلَيــكَ العِــزَّةُ القَــعــســاءُ
خُــلِقَــت لِبَــيــتِــكَ وَهـوَ مَـخـلوقٌ لَهـا
إِنَّ العَــظــائِمَ كُــفــؤُهــا العُــظَـمـاءُ
بِـــكَ بَـــشَّرَ اللَهُ السَــمــاءَ فَــزُيِّنــَت
وَتَــضَــوَّعَــت مِــســكــاً بِــكَ الغَــبــراءُ
وَبَـــدا مُـــحَـــيّـــاكَ الَّذي قَــسَــمــاتُهُ
حَــــــقٌّ وَغُـــــرَّتُهُ هُـــــدىً وَحَـــــيـــــاءُ
وَعَــلَيــهِ مِــن نــورِ النُــبُــوَّةِ رَونَــقٌ
وَمِـــنَ الخَـــليـــلِ وَهَـــديِهِ ســيــمــاءُ
أَثـنـى المَـسـيـحُ عَـلَيـهِ خَـلفَ سَـمـائِهِ
وَتَهَـــــلَّلَت وَاِهـــــتَـــــزَّتِ العَـــــذراءُ
يَــومٌ يَــتــيــهُ عَـلى الزَمـانِ صَـبـاحُهُ
وَمَـــــســـــاؤُهُ بِـــــمُـــــحَــــمَّدٍ وَضّــــاءُ
الحَــقُّ عــالي الرُكــنِ فــيــهِ مُــظَــفَّرٌ
فــي المُــلكِ لا يَــعــلو عَـلَيـهِ لِواءُ
ذُعِــرَت عُــروشُ الظــالِمــيــنَ فَــزُلزِلَت
وَعَـــلَت عَـــلى تـــيـــجــانِهِــم أَصــداءُ
وَالنــارُ خــاوِيَــةُ الجَـوانِـبِ حَـولَهُـم
خَــــمَـــدَت ذَوائِبُهـــا وَغـــاضَ المـــاءُ
وَالآيُ تَــــتــــرى وَالخَــــوارِقُ جَــــمَّةٌ
جِـــــبـــــريـــــلُ رَوّاحٌ بِهـــــا غَــــدّاءُ
نِــعـمَ اليَـتـيـمُ بَـدَت مَـخـايِـلُ فَـضـلِهِ
وَاليُــــتــــمُ رِزقٌ بَــــعــــضُهُ وَذَكــــاءُ
فـي المَهـدِ يُـسـتَـسـقى الحَيا بِرَجائِهِ
وَبِـــقَـــصــدِهِ تُــســتَــدفَــعُ البَــأســاءُ
بِسِوى الأَمانَةِ في الصِبا وَالصِدقِ لَم
يَــعــرِفــهُ أَهــلُ الصِــدقِ وَالأُمَــنــاءُ
يـا مَـن لَهُ الأَخلاقُ ما تَهوى العُلا
مِــنــهــا وَمــا يَــتَــعَــشَّقــُ الكُـبَـراءُ
لَو لَم تُــقِــم ديـنـاً لَقـامَـت وَحـدَهـا
ديـــنـــاً تُــضــيــءُ بِــنــورِهِ الآنــاءُ
زانَـتـكَ فـي الخُـلُقِ العَـظـيـمِ شَـمائِلٌ
يُـــغـــرى بِهِـــنَّ وَيـــولَعُ الكُـــرَمـــاءُ
أَمّــا الجَــمــالُ فَـأَنـتَ شَـمـسُ سَـمـائِهِ
وَمَـــلاحَـــةُ الصِـــدّيـــقِ مِــنــكَ أَيــاءُ
وَالحُــســنُ مِــن كَـرَمِ الوُجـوهِ وَخَـيـرُهُ
مــــا أوتِـــيَ القُـــوّادُ وَالزُعَـــمـــاءُ
فَـإِذا سَـخَـوتَ بَـلَغـتَ بِـالجـودِ المَـدى
وَفَــعَــلتَ مــا لا تَــفــعَــلُ الأَنــواءُ
وَإِذا عَـــفَـــوتَ فَـــقـــادِراً وَمُــقَــدَّراً
لا يَــســتَهــيــنُ بِــعَــفــوِكَ الجُهَــلاءُ
وَإِذا رَحِــــمــــتَ فَــــأَنــــتَ أُمٌّ أَو أَبٌ
هَــذانِ فــي الدُنـيـا هُـمـا الرُحَـمـاءُ
وَإِذا غَــضِــبــتَ فَــإِنَّمــا هِــيَ غَــضـبَـةٌ
فــي الحَــقِّ لا ضِــغــنٌ وَلا بَــغــضــاءُ
وَإِذا رَضـــيـــتَ فَــذاكَ فــي مَــرضــاتِهِ
وَرِضـــى الكَـــثـــيـــرِ تَــحَــلُّمٌ وَرِيــاءُ
وَإِذا خَـــطَـــبــتَ فَــلِلمَــنــابِــرِ هِــزَّةٌ
تَـــعـــرو النَـــدِيَّ وَلِلقُـــلوبِ بُــكــاءُ
وَإِذا قَــضَــيـتَ فَـلا اِرتِـيـابَ كَـأَنَّمـا
جــاءَ الخُــصــومَ مِــنَ السَـمـاءِ قَـضـاءُ
وَإِذا حَــمَــيــتَ المـاءَ لَم يـورَد وَلَو
أَنَّ القَـــيـــاصِـــرَ وَالمُـــلوكَ ظِــمــاءُ
وَإِذا أَجَــرتَ فَــأَنــتَ بَــيــتُ اللَهِ لَم
يَــدخُــل عَــلَيــهِ المُــســتَـجـيـرَ عَـداءُ
وَإِذا مَــلَكــتَ النَــفـسَ قُـمـتَ بِـبِـرِّهـا
وَلَوَ اَنَّ مـــا مَـــلَكَــت يَــداكَ الشــاءُ
وَإِذا بَــنَــيــتَ فَــخَــيــرُ زَوجٍ عِــشــرَةً
وَإِذا اِبــتَــنَــيــتَ فَــدونَــكَ الآبــاءُ
وَإِذا صَــحِــبــتَ رَأى الوَفـاءَ مُـجَـسَّمـاً
فـــي بُـــردِكَ الأَصــحــابُ وَالخُــلَطــاءُ
وَإِذا أَخَـــذتَ العَهـــدَ أَو أَعــطَــيــتَهُ
فَــــجَـــمـــيـــعُ عَهـــدِكَ ذِمَّةـــٌ وَوَفـــاءُ
وَإِذا مَــشَـيـتَ إِلى العِـدا فَـغَـضَـنـفَـرٌ
وَإِذا جَـــرَيـــتَ فَـــإِنَّكـــَ النَــكــبــاءُ
وَتَــمُــدُّ حِــلمَــكَ لِلسَــفــيــهِ مُـدارِيـاً
حَــتّــى يَــضــيــقَ بِــعَــرضِــكَ السُـفَهـاءُ
فــي كُــلِّ نَــفــسٍ مِــن سُــطــاكَ مَهـابَـةٌ
وَلِكُــــلِّ نَــــفـــسٍ فـــي نَـــداكَ رَجـــاءُ
وَالرَأيُ لَم يُــــنــــضَ المُهَــــنَّدُ دونَهُ
كَـــالسَـــيـــفِ لَم تَـــضــرِب بِهِ الآراءُ
يـــأَيُّهـــا الأُمِـــيُّ حَـــســبُــكَ رُتــبَــةً
فــي العِــلمِ أَن دانَـت بِـكَ العُـلَمـاءُ
الذِكــرُ آيَــةُ رَبِّكــَ الكُــبــرى الَّتــي
فــيــهــا لِبــاغـي المُـعـجِـزاتِ غَـنـاءُ
صَـدرُ البَـيـانِ لَهُ إِذا اِلتَـقَتِ اللُغى
وَتَـــقَـــدَّمَ البُـــلَغـــاءُ وَالفُــصَــحــاءُ
نُــسِــخَــت بِهِ التَــوراةُ وَهــيَ وَضـيـئَةٌ
وَتَـــخَـــلَّفَ الإِنـــجـــيــلُ وَهــوَ ذُكــاءُ
لَمّــا تَــمَــشّــى فـي الحِـجـازِ حَـكـيـمُهُ
فُــــضَّتــــ عُـــكـــاظُ بِهِ وَقـــامَ حِـــراءُ
أَزرى بِــمَــنــطِــقِ أَهــلِهِ وَبَــيــانِهِــم
وَحــــيٌ يُــــقَــــصِّرُ دونَهُ البُــــلَغــــاءُ
حَــسَــدوا فَــقــالوا شـاعِـرٌ أَو سـاحِـرٌ
وَمِــنَ الحَــســودِ يَــكــونُ الاِسـتِهـزاءُ
قَـد نـالَ بِـالهـادي الكَريمِ وَبِالهُدى
مــا لَم تَــنَــل مِــن سُــؤدُدٍ ســيــنــاءُ
أَمـــســـى كَـــأَنَّكـــَ مِـــن جَـــلالِكَ أُمَّةٌ
وَكَــــأَنَّهــــُ مِــــن أُنــــسِهِ بَــــيــــداءُ
يــوحــى إِلَيــكَ الفَــوزُ فــي ظُـلُمـاتِهِ
مُــتَــتــابِــعــاً تُــجــلى بِهِ الظَـلمـاءُ
ديــــنٌ يُــــشَــــيَّدُ آيَــــةً فــــي آيَــــةٍ
لَبِــــــنـــــاتُهُ الســـــوراتُ وَالأَدواءُ
الحَــقُّ فــيــهِ هُـوَ الأَسـاسُ وَكَـيـفَ لا
وَاللَهُ جَـــــلَّ جَـــــلالُهُ البَـــــنّـــــاءُ
أَمّــا حَــديـثُـكَ فـي العُـقـولِ فَـمَـشـرَعٌ
وَالعِــلمُ وَالحِــكَــمُ الغَـوالي المـاءُ
هُــوَ صِــبـغَـةُ الفُـرقـانِ نَـفـحَـةُ قُـدسِهِ
وَالســــيــــنُ مِــــن سَــــوراتِهِ وَالراءُ
جَـرَتِ الفَـصـاحَـةُ مِـن يَـنـابـيعَ النُهى
مِــــن دَوحِهِ وَتَــــفَــــجَّرَ الإِنــــشــــاءُ
فــي بَــحــرِهِ لِلســابِــحــيــنَ بِهِ عَــلى
أَدَبِ الحَــــيـــاةِ وَعِـــلمِهـــا إِرســـاءُ
أَتَـــتِ الدُهـــورُ عَــلى سُــلافَــتِهِ وَلَم
تَــفــنَ السُــلافُ وَلا سَــلا النُـدَمـاءُ
بِـكَ يـا اِبـنَ عَـبـدِ اللَهِ قـامَت سَمحَةٌ
بِـــالحَـــقِّ مِـــن مَـــلَلِ الهُــدى غَــرّاءُ
بُـنِـيَـت عَـلى التَـوحـيـدِ وَهـيَ حَـقـيقَةٌ
نـــادى بِهـــا سُـــقـــراطُ وَالقُــدَمــاءُ
وَجَــدَ الزُعـافَ مِـنَ السُـمـومِ لِأَجـلِهـا
كَـــالشَهـــدِ ثُــمَّ تَــتــابَــعَ الشُهَــداءُ
وَمَــشــى عَـلى وَجـهِ الزَمـانِ بِـنـورِهـا
كُهّـــانُ وادي النـــيـــلِ وَالعُـــرَفــاءُ
إيــزيــسُ ذاتُ المُــلكِ حــيــنَ تَــوَحَّدَت
أَخَـــذَت قِـــوامَ أُمــورِهــا الأَشــيــاءُ
لَمّـــا دَعَـــوتَ النـــاسَ لَبّـــى عــاقِــلٌ
وَأَصَـــمَّ مِـــنـــكَ الجـــاهِــليــنَ نِــداءُ
أَبَــوا الخُــروجَ إِلَيـكَ مِـن أَوهـامِهِـم
وَالنـــاسُ فـــي أَوهــامِهِــم سُــجَــنــاءُ
وَمِـــنَ العُـــقـــولِ جَـــداوِلٌ وَجَــلامِــدٌ
وَمِــــنَ النُــــفــــوسِ حَـــرائِرٌ وَإِمـــاءُ
داءُ الجَــمــاعَــةِ مِـن أَرِسـطـاليـسَ لَم
يــــوصَــــف لَهُ حَـــتّـــى أَتَـــيـــتَ دَواءُ
فَــرَسَــمــتَ بَــعــدَكَ لِلعِــبـادِ حُـكـومَـةً
لا ســـوقَـــةٌ فـــيـــهـــا وَلا أُمَـــراءُ
اللَهُ فَـــوقَ الخَـــلقِ فــيــهــا وَحــدَهُ
وَالنـــاسُ تَـــحـــتَ لِوائِهـــا أَكــفــاءُ
وَالديــنُ يُــســرٌ وَالخِــلافَــةُ بَــيـعَـةٌ
وَالأَمـــرُ شـــورى وَالحُــقــوقُ قَــضــاءُ
الإِشـــتِـــراكِـــيّـــونَ أَنــتَ إِمــامُهُــم
لَولا دَعــــاوى القَــــومِ وَالغُــــلَواءُ
داوَيــــتَ مُـــتَّئـــِداً وَداوَوا ظَـــفـــرَةً
وَأَخَــــفُّ مِــــن بَـــعـــضِ الدَواءِ الداءُ
الحَـــربُ فـــي حَـــقٍّ لَدَيـــكَ شَــريــعَــةٌ
وَمِـــنَ السُـــمــومِ النــاقِــعــاتِ دَواءُ
وَالبِـــرُّ عِـــنـــدَكَ ذِمَّةـــٌ وَفَـــريـــضَــةٌ
لا مِـــنَّةـــٌ مَـــمـــنـــونَـــةٌ وَجَـــبـــاءُ
جـــاءَت فَـــوَحَّدَتِ الزَكـــاةُ سَـــبــيــلَهُ
حَــتّــى اِلتَـقـى الكُـرَمـاءُ وَالبُـخَـلاءُ
أَنـصَـفَـت أَهـلَ الفَـقـرِ مِن أَهلِ الغِنى
فَـــالكُـــلُّ فــي حَــقِّ الحَــيــاةِ سَــواءُ
فَـــلَوَ اَنَّ إِنـــســـانـــاً تَــخَــيَّرَ مِــلَّةً
مــا اِخــتــارَ إِلّا ديــنَــكَ الفُـقَـراءُ
يـــأَيُّهـــا المُــســرى بِهِ شَــرَفــاً إِلى
مــا لا تَــنــالُ الشَــمــسُ وَالجَــوزاءُ
يَــتَــســاءَلونَ وَأَنــتَ أَطــهَــرُ هَــيـكَـلٍ
بِــالروحِ أَم بِــالهَــيــكَــلِ الإِســراءُ
بِهِــمــا سَــمَــوتَ مُــطَهَّرَيــنِ كِــلاهُـمـا
نـــــورٌ وَرَيـــــحــــانِــــيَّةــــٌ وَبَهــــاءُ
فَـــضـــلٌ عَــلَيــكَ لِذي الجَــلالِ وَمِــنَّةٌ
وَاللَهُ يَـــفـــعَــلُ مــا يَــرى وَيَــشــاءُ
تَـغـشـى الغُـيـوبَ مِـنَ العَـوالِمِ كُـلَّما
طُـــوِيَـــت سَـــمـــاءٌ قُـــلِّدَتـــكَ سَــمــاءُ
فــي كُــلِّ مِــنــطَــقَــةٍ حَـواشـي نـورُهـا
نـــونٌ وَأَنـــتَ النُـــقـــطَــةُ الزَهــراءُ
أَنـتَ الجَـمـالُ بِهـا وَأَنـتَ المُـجـتَـلى
وَالكَــــفُّ وَالمِــــرآةُ وَالحَــــســـنـــاءُ
اللَهُ هَـــيَّأـــَ مِـــن حَـــظــيــرَةِ قُــدسِهِ
نَــــزُلاً لِذاتِـــكَ لَم يَـــجُـــزهُ عَـــلاءُ
العَـــرشُ تَـــحـــتَـــكَ سُــدَّةً وَقَــوائِمــاً
وَمَـــنـــاكِــبُ الروحِ الأَمــيــنِ وِطــاءُ
وَالرُســلُ دونَ العَــرشِ لَم يُـؤذَن لَهُـم
حـــاشـــا لِغَـــيـــرِكَ مَـــوعِـــدٌ وَلِقــاءُ
الخَــيـلُ تَـأبـى غَـيـرَ أَحـمَـدَ حـامِـيـاً
وَبِهــــا إِذا ذُكِـــرَ اِســـمُهُ خُـــيَـــلاءُ
شَــيــخُ الفَــوارِسِ يَــعــلَمــونَ مَـكـانَهُ
إِن هَـــيَّجـــَت آســـادَهـــا الهَــيــجــاءُ
وَإِذا تَــــصَــــدّى لِلظُـــبـــى فَـــمُهَـــنَّدٌ
أَو لِلرِمــــاحِ فَــــصَـــعـــدَةٌ سَـــمـــراءُ
وَإِذا رَمـــى عَـــن قَــوسِهِ فَــيَــمــيــنُهُ
قَــدَرٌ وَمــا تُــرمــى اليَــمـيـنُ قَـضـاءُ
مِــن كُــلِّ داعــي الحَــقِّ هِــمَّةــُ سَـيـفِهِ
فَــلِسَــيــفِهِ فــي الراسِــيــاتِ مَــضــاءُ
سـاقـي الجَـريـحِ وَمُـطـعِمُ الأَسرى وَمَن
أَمِــنَــت سَــنــابِــكَ خَــيــلِهِ الأَشــلاءُ
إِنَّ الشَــجــاعَــةَ فـي الرِجـالِ غَـلاظَـةٌ
مـــا لَم تَـــزِنـــهـــا رَأفَــةٌ وَسَــخــاءُ
وَالحَـربُ مِـن شَـرَفِ الشُـعوبِ فَإِن بَغَوا
فَـــالمَـــجـــدُ مِـــمّــا يَــدَّعــونَ بَــراءُ
وَالحَــربُ يَــبــعَــثُهـا القَـوِيُّ تَـجَـبُّراً
وَيَــنــوءُ تَــحــتَ بَــلائِهـا الضُـعَـفـاءُ
كَـــم مِـــن غُــزاةٍ لِلرَســولِ كَــريــمَــةٍ
فـــيـــهـــا رِضـــىً لِلحَـــقِّ أَو إِعـــلاءُ
كــانَــت لِجُــنــدِ اللَهِ فــيــهــا شِــدَّةٌ
فـــي إِثـــرِهـــا لِلعـــالَمــيــنَ رَخــاءُ
ضَـرَبـوا الضَـلالَةَ ضَـربَـةٌ ذَهَـبَـت بِهـا
فَــعَــلى الجَهــالَةِ وَالضَــلالِ عَــفــاءُ
دَعَـمـوا عَـلى الحَـربِ السَلامَ وَطالَما
حَــقَــنَــت دِمــاءً فــي الزَمــانِ دِمــاءُ
الحَـــــقُّ عِـــــرضُ اللَهِ كـــــلُّ أَبِـــــيَّةٍ
بَـــيـــنَ النُــفــوسِ حِــمــىً لَهُ وَوِقــارُ
هَـــل كـــانَ حَــولَ مُــحَــمَّدٍ مِــن قَــومِهِ
إِلا صَــــــبِـــــيٌّ واحِـــــدٌ وَنِـــــســـــاءُ
فَــدَعــا فَـلَبّـى فـي القَـبـائِلِ عُـصـبَـةٌ
مُـــســـتَـــضـــعَــفــونَ قَــلائِلٌ أَنــضــاءُ
رَدّوا بِـبَـأسِ العَـزمِ عَـنـهُ مِـنَ الأَذى
مـــا لا تَـــرُدُّ الصَـــخـــرَةُ الصَــمّــاءُ
وَالحَــقُّ وَالإيــمــانُ إِن صُــبّــا عَــلى
بُـــردٍ فَـــفــيــهِ كَــتــيــبَــةٌ خَــرســاءُ
نَــسَــفـوا بِـنـاءَ الشِـركِ فَهـوَ خَـرائِبٌ
وَاِســتَــأصَـلوا الأَصـنـامَ فَهـيَ هَـبـاءُ
يَـمـشـونَ تُـغـضـي الأَرضُ مِـنـهُـم هَـيبَةً
وَبِهِــم حِــيــالَ نَــعــيــمِهــا إِغــضــاءُ
حَــتّــى إِذا فُــتِــحَــت لَهُــم أَطـرافُهـا
لَم يُـــطـــغِهِـــم تَـــرَفٌ وَلا نَــعــمــاءُ
يــا مَــن لَهُ عِــزُّ الشَــفــاعَــةِ وَحــدَهُ
وَهـــوَ المُـــنَـــزَّهُ مـــا لَهُ شُــفَــعــاءُ
عَــرشُ القِــيــامَــةِ أَنــتَ تَـحـتَ لِوائِهِ
وَالحَـــوضُ أَنـــتَ حِـــيـــالَهُ السَــقــاءُ
تَــروي وَتَـسـقـي الصـالِحـيـنَ ثَـوابَهُـم
وَالصـــــالِحـــــاتُ ذَخـــــائِرٌ وَجَـــــزاءُ
أَلِمِـثـلِ هَـذا ذُقـتَ في الدُنيا الطَوى
وَاِنـــشَـــقَّ مِـــن خَـــلَقٍ عَـــلَيـــكَ رِداءُ
لي فــي مَــديــحِــكَ يــا رَسـولُ عَـرائِسٌ
تُــــيِّمـــنَ فـــيـــكَ وَشـــاقَهُـــنَّ جَـــلاءُ
هُــنَّ الحِــســانُ فَــإِن قَــبِـلتَ تَـكَـرُّمـاً
فَـــمُهـــورُهُـــنَّ شَـــفـــاعَـــةٌ حَــســنــاءُ
أَنـــتَ الَّذي نَـــظَــمَ البَــرِيَّةــَ ديــنُهُ
مــاذا يَــقــولُ وَيَــنــظُــمُ الشُــعَــراءُ
المُــصــلِحــونَ أَصــابِــعٌ جُــمِــعَـت يَـداً
هِــيَ أَنــتَ بَـل أَنـتَ اليَـدُ البَـيـضـاءُ
مــا جِـئتُ بـابَـكَ مـادِحـاً بَـل داعِـيـاً
وَمِــــنَ المَــــديـــحِ تَـــضَـــرُّعٌ وَدُعـــاءُ
أَدعــوكَ عَــن قَــومـي الضِـعـافِ لِأَزمَـةٍ
فــي مِــثــلِهــا يُــلقــى عَــلَيـكَ رَجـاءُ
أَدرى رَســــولُ اللَهِ أَنَّ نُــــفـــوسَهُـــم
رَكِـــبَـــت هَـــواهـــا وَالقُــلوبُ هَــواءُ
مُــتَــفَــكِّكــونَ فَــمــا تَــضُـمُّ نُـفـوسَهُـم
ثِـــقَـــةٌ وَلا جَــمَــعَ القُــلوبَ صَــفــاءُ
رَقَـــدوا وَغَـــرَّهُـــمُ نَـــعــيــمٌ بــاطِــلٌ
وَنَــعــيــمُ قَــومٍ فــي القُــيـودِ بَـلاءُ
ظَـلَمـوا شَـريـعَـتَـكَ الَّتـي نِـلنـا بِهـا
مــا لَم يَــنَــل فــي رومَــةَ الفُـقَهـاءُ
مَـشَـتِ الحَـضـارَةُ فـي سَـنـاهـا وَاِهتَدى
فـي الديـنِ وَالدُنـيـا بِهـا السُـعَداءُ
صَــلّى عَــلَيــكَ اللَهُ مـا صَـحِـبَ الدُجـى
حـــادٍ وَحَـــنَّتـــ بِـــالفَـــلا وَجـــنــاءُ
وَاِســتَـقـبَـلَ الرِضـوانَ فـي غُـرُفـاتِهِـم
بِـــجِـــنـــانِ عَـــدنٍ آلُكَ السُـــمَـــحــاءُ
خَـيـرُ الوَسـائِلِ مَـن يَـقَـع مِـنـهُم عَلى
سَـــبَـــبٍ إِلَيــكَ فَــحَــســبِــيَ الزَهــراءُ
شاركها مع اصدقائك

مشاركات الزوار

شاركنا بتعليق مفيد

الشاعر:

أحمد بن علي بن أحمد شوقي. أشهر شعراء العصر الأخير، يلقب بأمير الشعراء، مولده ووفاته بالقاهرة، كتب عن نفسه: (سمعت أبي يردّ أصلنا إلى الأكراد فالعرب) نشأ في ظل البيت المالك بمصر، وتعلم في بعض المدارس الحكومية، وقضى سنتين في قسم الترجمة بمدرسة الحقوق، وارسله الخديوي توفيق سنة 1887م إلى فرنسا، فتابع دراسة الحقوق في مونبلية، واطلع على الأدب الفرنسي وعاد سنة 1891م فعين رئيساً للقلم الإفرنجي في ديوان الخديوي عباس حلمي. وندب سنة 1896م لتمثيل الحكومة المصرية في مؤتمر المستشرقين بجينيف. عالج أكثر فنون الشعر: مديحاً، وغزلاً، ورثاءً، ووصفاً، ثم ارتفع محلقاً فتناول الأحداث الاجتماعية والسياسية في مصر والشرق والعالم الإسلامي وهو أول من جود القصص الشعري التمثيلي بالعربية وقد حاوله قبله أفراد، فنبذهم وتفرد. وأراد أن يجمع بين عنصري البيان: الشعر والنثر، فكتب نثراً مسموعاً على نمط المقامات فلم يلق نجاحاً فعاد إلى الشعر.
مولده 16-10-1868 ووفاته 14-10-1932
تصنيفات قصيدة وُلِدَ الهُدى فَالكائِناتُ ضِياءُ