قصيدة أعلى الممالك ما كرسيه الماء للشاعر أحمد شوقي

البيت العربي

أَعلى المَمالِكِ ما كُرسِيُّهُ الماءُ


عدد ابيات القصيدة:45


أَعلى المَمالِكِ ما كُرسِيُّهُ الماءُ
أَعـلى المَـمـالِكِ مـا كُـرسِـيُّهـُ المـاءُ
وَمـــا دِعـــامَـــتُهُ بِـــالحَـــقِّ شَـــمّــاءُ
يـا جـيـرَةَ المَـنـشِ حَـلّاكُـم أُبُـوَّتُـكُـم
مــا لَم يُــطَــوِّق بِهِ الأَبــنـاءُ آبـاءُ
مُــــلكٌ يُــــطــــاوِلُ الشَــــمـــسَ عِـــزَّتُهُ
فـي الغَـربِ بـاذِخَـةٌ في الشَرقِ قَعساءُ
تَـأوي الحَـقـيـقَـةُ مِـنهُ وَالحُقوقُ إِلى
رُكــنٍ بَــنــاهُ مِــنَ الأَخــلاقِ بَــنّــاءُ
أَعــلاهُ بِــالنَــظَــرِ العــالي وَنَـطَّقـَهُ
بِــــحـــائِطِ الرَأيِ أَشـــيـــاخٌ أَجِـــلّاءُ
وَحــاطَهُ بِــالقَــنــا فِـتـيـانُ مَـمـلَكَـةٍ
في السِلمِ زَهرُ رُبىً في الرَوعِ أَرزاءُ
يُـسـتَـصـرَخـونَ وَيُـرجـى فَـضـلُ نَـجـدَتِهِـم
كَــأَنَّهــُم عَــرَبٌ فــي الدَهــرِ عَــربــاءُ
وَدَولَةٌ لا يَــراهــا الظَــنُّ مِــن سِـعَـةٍ
وَلا وَراءَ مَـــداهـــا فــيــهِ عَــليــاءُ
عَــصــمــاءُ لا سَــبَــبُ الرَحــمَـنِ مُـطَّرَحٌ
فــيـهـا وَلا رَحِـمُ الإِنـسـانِ قَـطـعـاءُ
تِـلكَ الجَـزائِرُ كـانَـت تَـحـتَهُـم رُكـناً
وَراءَهُــنَّ لِبــاغــي الصَــيــدِ عَــنـقـاءُ
وَكــانَ وُدُّهُــمُ الصــافــي وَنُــصــرَتُهُــم
لِلمُـسـلِمـيـنَ وَراعـيـهِـم كَـمـا شـاؤوا
دُسـتـورُهُـم عَـجَـبُ الدُنـيـا وَشـاعِـرُهُـم
يَــــدٌ عَــــلى خَـــلقِهِ لِلَّهِ بَـــيـــضـــاءُ
مـا أَنـجَـبَـت مِـثـلَ شـيـكِـسـبيرَ حاضِرَةٌ
وَلا نَــمَـت مِـن كَـريـمِ الطَـيـرِ غَـنّـاءُ
نــالَت بِهِ وَحــدَهُ إِنــكِــلتِــرا شَـرَفـاً
مـا لَم تَـنَـل بِـالنُجومِ الكُثرِ جَوزاءُ
لَم تُـكـشَـفِ النَـفـسُ لَولاهُ وَلا بُـلِيَت
لَهـــا سَـــرائِرُ لا تُــحــصــى وَأَهــواءُ
شِــعــرٌ مِــنَ النَــسَــقِ الأَعـلى يُـؤَيِّدُهُ
مِــن جــانِــبِ اللَهِ إِلهــامٌ وَإيــحــاءُ
مِــن كُــلِّ بَــيــتٍ كَــآيِ اللَهِ تَــسـكُـنُهُ
حَــقــيــقَــةٌ مِـن خَـيـالِ الشِـعـرِ غَـرّاءُ
وَكُــلِّ مَــعـنـىً كَـعـيـسـى فـي مَـحـاسِـنِهِ
جــاءَت بِهِ مِـن بَـنـاتِ الشِـعـرِ عَـذراءُ
أَو قِــصَّةــٍ كَــكِــتــابِ الدَهـرِ جـامِـعَـةٍ
كِــلاهُــمــا فــيــهِ إِضــحــاكٌ وَإِبـكـاءُ
مَهــمـا تُـمَـثَّلـ تُـرَ الدُنـيـا مُـمَـثَّلـَةً
أَو تُـتـلَ فَهـيَ مِـنَ الإِنـجـيـلِ أَجـزاءُ
يـا صـاحِـبَ العُـصُـرِ الخـالي أَلا خَبَرٌ
عَــن عــالَمِ المَـوتِ يَـرويـهِ الأَلِبّـاءُ
أَمّـا الحَـيـاةُ فَـأَمـرٌ قَـد وَصَـفـتَ لَنا
فَهَــل لِمــا بَــعــدُ تَــمـثـيـلٌ وَإِدنـاءُ
بِــمَـن أَمـاتَـكَ قُـل لي كَـيـفَ جُـمـجُـمَـةٌ
غَــبــراءُ فــي ظُـلُمـاتِ الأَرضِ جَـوفـاءُ
كــانَــت سَــمـاءَ بَـيـانٍ غَـيـرَ مُـقـلِعَـةٍ
شُـــؤبـــوبُهــا عَــسَــلٌ صــافٍ وَصَهــبــاءُ
فَــأَصــبَــحَــت كَــأَصـيـصٍ غَـيـرَ مُـفـتَـقَـدٍ
جَــفَــتــهُ رَيــحــانَـةٌ لِلشِـعـرِ فَـيـحـاءُ
وَكَــيــفَ بــاتَ لِســانٌ لَم يَــدَع غَـرَضـاً
وَلَم تَــفُــتــهُ مِــنَ البـاغـيـنَ عَـوراءُ
عَــفـا فَـأَمـسـى زُنـابـى عَـقـرَبٍ بَـلِيَـت
وَسُــمُّهــا فــي عُــروقِ الظُــلمِ مَــشّــاءُ
وَمـا الَّذي صَـنَـعَـت أَيـدي البِـلى بِيَدٍ
لَهـا إِلى الغَـيـبِ بِـالأَقـلامِ إيـماءُ
فـي كُـلِّ أُنـمُـلَةٍ مِـنـهـا إِذا اِنـبَجَسَت
بَــــــرقٌ وَرَعــــــدٌ وَأَرواحٌ وَأَنــــــواءُ
أَمـسَـت مِنَ الدودِ مِثلَ الدودِ في جَدَثٍ
قُــفّــازُهــا فــيــهِ حَــصـبـاءٌ وَبَـوغـاءُ
وَأَيــنَ تَــحــتَ الثَــرى قَــلبٌ جَـوانِـبُهُ
كَـــــأَنَّهـــــُنَّ لِوادي الحَــــقِّ أَرجــــاءُ
تُـصـغـي إِلى دَقِّهـِ أُذنُ البَـيـانِ كَـمـا
إِلى النَــواقــيــسِ لِلرُهـبـانِ إِصـغـاءُ
لَئِن تَـمَـشّـى البِـلى تَـحـتَ التُرابِ بِهِ
لا يُــؤكَــلُ اللَيــثُ إِلّا وَهـوَ أَشـلاءُ
وَالنـاسُ صِـنـفـانِ مَـوتـى فـي حَـياتِهُمُ
وَآخَـــرونَ بِـــبَـــطـــنِ الأَرضِ أَحــيــاءُ
تَـأبـى المَـواهِـبُ فَـالأَحـيـاءُ بَـينَهُمُ
لا يَــســتَـوونَ وَلا الأَمـواتُ أَكـفـاءُ
يـا واصِـفَ الدَمِ يَـجـري هَهُـنـا وَهُـنـا
قُـمِ اُنـظُـرِ الدَمَ فَهـوَ اليَـومَ دَأمـاءُ
لامـوكَ فـي جَـعـلِكَ الإِنـسـانَ ذِئبَ دَمٍ
وَاليَـومَ تَـبـدو لَهُـم مِـن ذاكَ أَشـياءُ
وَقـيـلَ أَكـثَـرَ ذِكـرَ القَـتـلِ ثُـمَّ أَتَوا
مــا لَم تَــسَــعــهُ خَــيــالاتٌ وَأَنـبـاءُ
كـانـوا الذِئابَ وَكانَ الجَهلُ داءَهُمو
وَاليَــومَ عِـلمُهُـمُ الراقـي هُـوَ الداءُ
لُؤمُ الحَـيـاةِ مَـشـى في الناسِ قاطِبَةً
كَـــمـــا مَــشــى آدَمٌ فــيــهِــم وَحَــوّاءُ
قُـم أَيِّدِ الحَـقَّ فـي الدُنـيا أَلَيسَ لَهُ
كَــتــيـبَـةٌ مِـنـكَ تَـحـتَ الأَرضِ خَـرسـاءُ
وَأَيــنَ صَــوتٌ تَــمــيــدُ الراسِـيـاتُ لَهُ
كَــمــا تَـمـايَـدَ يَـومَ النـارِ سَـيـنـاءُ
وَأَيــنَ مــاضِــيَـةٌ فـي الظُـلمِ قـاضِـيَـةٌ
وَأَيــنَ نــافِــذَةٌ فــي البَـغـيِ نَـجـلاءُ
أَيَــتـرُكُ الأَرضَ جـانـوهـا وَلَيـسَ بِهـا
صَـحـيـفَـةٌ مِـنـكَ فـي الجـانِبَينِ سَوداءُ
تَـأوي إِلَيـهـا الأَيـامـى فَهـيَ تَعزِيَةٌ
وَيَــســتَـريـحُ اليَـتـامـى فَهـيَ تَـأسـاءُ
شاركها مع اصدقائك

مشاركات الزوار

شاركنا بتعليق مفيد

الشاعر:

أحمد بن علي بن أحمد شوقي. أشهر شعراء العصر الأخير، يلقب بأمير الشعراء، مولده ووفاته بالقاهرة، كتب عن نفسه: (سمعت أبي يردّ أصلنا إلى الأكراد فالعرب) نشأ في ظل البيت المالك بمصر، وتعلم في بعض المدارس الحكومية، وقضى سنتين في قسم الترجمة بمدرسة الحقوق، وارسله الخديوي توفيق سنة 1887م إلى فرنسا، فتابع دراسة الحقوق في مونبلية، واطلع على الأدب الفرنسي وعاد سنة 1891م فعين رئيساً للقلم الإفرنجي في ديوان الخديوي عباس حلمي. وندب سنة 1896م لتمثيل الحكومة المصرية في مؤتمر المستشرقين بجينيف. عالج أكثر فنون الشعر: مديحاً، وغزلاً، ورثاءً، ووصفاً، ثم ارتفع محلقاً فتناول الأحداث الاجتماعية والسياسية في مصر والشرق والعالم الإسلامي وهو أول من جود القصص الشعري التمثيلي بالعربية وقد حاوله قبله أفراد، فنبذهم وتفرد. وأراد أن يجمع بين عنصري البيان: الشعر والنثر، فكتب نثراً مسموعاً على نمط المقامات فلم يلق نجاحاً فعاد إلى الشعر.
مولده 16-10-1868 ووفاته 14-10-1932
تصنيفات قصيدة أَعلى المَمالِكِ ما كُرسِيُّهُ الماءُ