قصيدة بشرى البرية قاصيها ودانيها للشاعر أحمد شوقي

البيت العربي

بُشرى البَرِيَّةِ قاصيها وَدانيها


عدد ابيات القصيدة:52


بُشرى البَرِيَّةِ قاصيها وَدانيها
بُـشـرى البَـرِيَّةـِ قـاصـيـهـا وَدانـيـها
حـاطَ الخِـلافَـةَ بِـالدُسـتـورِ حـامـيها
لَمّـــا رَآهـــا بِــلا رُكــنٍ تَــدارَكَهــا
بَـعـدَ الخَـليـفَـةِ بِـالشـورى وَنـاديها
وَبِــالأَبِــيّــيــنَ مِــن قَــومٍ أَمــاتَهُــمُ
بُـعـدُ الدِيـارِ وَأَحـيـاهُـم تَـدانـيـهـا
حَـنّـوا إِلَيـهـا كَـمـا حَـنَّتـ لَهُم زَمَناً
وَأَوشَـكَ البَـيـنُ يُـبـليـهُـم وَيُـبـليـها
مُــشَـتَّتـيـنَ عَـلى الغَـبـراءِ تَـحـسَـبُهُـم
رَحّـالَةَ البَـدوِ هـامـوا فـي فَـيافيها
لا يَقرُبُ اليَأسُ في البَأساءِ أَنفُسَهُم
وَالنَـفـسُ إِن قَـنَـطَـت فَـاليَأسُ مُرديها
أَسـدى إِلَيـنـا أَمـيـرَ المُـؤمِنينَ يَداً
جَـلَّت كَـمـا جَـلَّ فـي الأَمـلاكِ مُسديها
بَــيــضـاءَ مـا شـابَهـا لِلأَبـرِيـاءِ دَمٌ
وَلا تَــكَــدَّرَ بِــالآثــامِ صــافــيــهــا
وَلَيــسَ مُــســتَــعـظَـمـاً فَـضـلٌ وَلا كَـرَمٌ
مِـن صـاحِـبِ السِـكَّةـِ الكُـبرى وَمُنشيها
إِنَّ النَــدى وَالرِضــى فــيــهِ وَأُســرَتِهِ
وَاللَهُ لِلخَــيــرِ هــاديــهِ وَهــاديـهـا
قَـومٌ عَـلى الحُبِّ وَالإِخلاصِ قَد مَلَكوا
وَحَــســبُ نَــفــسِــكَ إِخــلاصٌ يُــزَكّــيـهـا
إِذا الخَـلائِفُ مِـن بَـيـتِ الهُدى حُمِدَت
أَعـلى الخَـواقـيـنَ مِن عُثمانَ ماضيها
خِــلافَــةُ اللَهِ فــي أَحــضـانِ دَولَتِهِـم
شـابَ الزَمـانُ وَمـا شـابَـت نَـواصـيـها
دُروعُهـا تَـحـتَـمـي فـي النائِباتِ بِهِم
مِـن رُمـحِ طـاعِـنِهـا أَو سَهـمِ رامـيـها
الرَأيُ رَأيُ أَمــيــرِ المُـؤمِـنـيـنَ إِذا
حــارَت رِجــالٌ وَضَــلَّت فــي مَــرائيـهـا
وَإِنَّمــا هِــيَ شــورى اللَهِ جــاءَ بِهــا
كِــتـابُهُ الحَـقُّ يُـعـليـهـا وَيُـغـليـهـا
حَـقَـنـتَ عِـنـدَ مُـنـاداةِ الجُـيـوشِ بِهـا
دَمَ البَـــرِيَّةـــِ إِرضـــاءً لِبـــاريــهــا
وَلَو مُــنِــعَــت أُريــقَـت لِلعِـبـادِ دِمـاً
وَطــاحَ مِــن مُهَـجِ الأَجـنـادِ غـاليـهـا
وَمَــن يَـسُـس دَولَةً قَـد سُـسـتَهـا زَمَـنـاً
تَهُــن عَـلَيـهِ مِـنَ الدُنـيـا عَـواديـهـا
أَتــى ثَــلاثــونَ حَـولاً لَم تَـذُق سِـنَـةً
وَلا اِســـتَـــخَــفَّكــَ لِلَذّاتِ داعــيــهــا
مُـسَهَّدَ الجَـفـنِ مَـكـدودَ الفُـؤادِ بِـمـا
يُـضـنـي القُـلوبَ شَـجِـيَّ النَفسِ عانيها
تَـكـادُ مِـن صُـحـبَـةِ الدُنـيـا وَخِبرَتِها
تُـسـيـءُ ظَـنَّكـَ بِـالدُنـيـا وَمـا فـيـهـا
أَمـا تَـرى المُـلكَ فـي عُـرسٍ وَفـي فَرَحٍ
بِــدَولَةِ الرَأيِ وَالشــورى وَأَهــليـهـا
لَمّـا اِسـتَـعَـدَّ لَها الأَقوامُ جِئتَ بِها
كَـالمـاءِ عِـنـدَ غَـليـلِ النَفسِ صاديها
فَــضــلٌ لِذاتِــكَ فــي أَعــنـاقِـنـا وَيَـدٌ
عِـنـدَ الرَعِـيَّةـِ مِـن أَسـنـى أَيـاديـهـا
خِــلافَــةُ اللَهِ جَــرَّ الذَيـلَ حـاضِـرُهـا
بِــمـا مَـنَـحـتَ وَهَـزَّ العِـطـفَ بـاديـهـا
طـارَت قَـنـاهـا سُـروراً عَـن مَـراكِـزِها
وَأَلقَـتِ الغِـمـدَ إِعـجـابـاً مَـواضـيـهـا
هَـبَّ النَـسـيـمُ عَـلى مَـقـدونـيـا بَـرداً
مِـن بَـعـدِ مـا عَـصَـفَـت جَـمراً سَوافيها
تَــغــلي بِــســاكِـنِهـا ضِـغـنـاً وَنـائِرَةً
عَــلى الصُــدورِ إِذا ثـارَت دَواعـيـهـا
عـاثَـت عَـصـائِبُ فـيـهـا كَـالذِئابِ عَدَت
عَـلى الأَقـاطـيـعِ لَمّـا نـامَ راعـيـها
خَـلا لَهـا مِـن رُسـومِ الحُـكـمِ دارِسُها
وَغَــرَّهــا مِـن طُـلولِ المُـلكِ بـاليـهـا
فَـسـامَـرَ الشَـرَّ فـي الأَجـبالِ رائِحُها
وَصَــبَّحــَ السَهـلَ بِـالعِـدوانِ غـاديـهـا
مَــظــلومَـةٌ فـي جِـوارِ الخَـوفِ ظـالِمَـةٌ
وَالنَــفــسُ مُـؤذِيَـةٌ مَـن راحَ يُـؤذيـهـا
رَثَـــت لَهـــا وَبَــكَــت مِــن رِقَّةــٍ فُــوَلٌ
كَـالبـومِ يَـبـكـي رُبـوعـاً عَـزَّ باكيها
أَعــلامُ مَــمـلَكَـةٍ فـي الغَـربِ خـائِفَـةٌ
لِآلِ عُــثـمـانَ كـادَ الدَهـرُ يَـطـويـهـا
لَمّـا مُـلِئنـا قُـنـوطـاً مِـن سَـلامَـتِهـا
تَــوَثَّبــَت أُسُــدُ الآجــامِ تَــحــمــيـهـا
مِــن كُــلِّ مُـسـتَـبـسِـلٍ يَـرمـي بِـمُهـجَـتِهِ
فـي الهَـولِ إِن هِيَ جاشَت لا يُراعيها
كَــأَنَّهــا وَسَــلامُ المُــلكِ يَــطــلُبُهــا
أَمــانَــةٌ عِــنــدَ ذي عَهــدٍ يُــؤَدّيــهــا
الديـــنُ لِلَّهِ مَـــن شــاءَ الإِلَهُ هَــدى
لِكُـلِّ نَـفـسٍ هَـوىً فـي الديـنِ داعـيـها
مــا كــانَ مُـخـتَـلِفُ الأَديـانِ داعِـيَـةً
إِلى اِخـتِـلافِ البَـرايـا أَو تَعاديها
الكُــتـبُ وَالرُسـلُ وَالأَديـانُ قـاطِـبَـةً
خَـزائِنُ الحِـكـمَـةِ الكُـبـرى لِواعـيـها
مَــحَــبَّةــُ اللَهِ أَصــلٌ فــي مَــراشِـدِهـا
وَخَــشــيَــةُ اللَهِ أُسٌّ فــي مَــبـانـيـهـا
وَكُــلُّ خَــيــرٍ يُــلَقّــى فــي أَوامِــرِهــا
وَكُــلُّ شَــرٍّ يُــوَقّــى فــي نَــواهــيــهــا
تَـسـامُـحُ النَـفـسِ مَـعـنـىً مِن مُروءَتِها
بَـلِ المُـروءَةُ فـي أَسـمـى مَـعـانـيـهـا
تَـخَـلَّقِ الصَـفـحَ تَـسـعَد في الحَياةِ بِهِ
فَـالنَـفـسُ يُـسـعِـدُهـا خُـلقٌ وَيُـشـقـيـها
اللَهُ يَــعــلَمُ مــا نَــفــسـي بِـجـاهِـلَةٍ
مَــن أَهــلُ خِــلَّتِهــا مِـمَّنـ يُـعـاديـهـا
لَئِن غَــدَوتُ إِلى الإِحــســانِ أَصـرُفُهـا
فَـــإِنَّ ذَلِكَ أَجـــرى مِــن مَــعــاليــهــا
وَالنَــفــسُ إِن كَـبُـرَت رَقَّتـ لِحـاسِـدِهـا
وَاِسـتَـغـفَـرَت كَـرَمـاً مِـنـهـا لِشـانيها
يـا شَـعـبَ عُـثـمـانَ مِـن تُـركٍ وَمِن عَرَبٍ
حَـيّـاكَ مَـن يَـبـعَـثُ المَـوتـى وَيُحييها
صَــبَــرتَ لِلحَــقِّ حـيـنَ النَـفـسُ جـازِعَـةٌ
وَاللَهُ بِـالصَـبـرِ عِـنـدَ الحَـقِّ موصيها
نِــلتَ الَّذي لَم يَـنَـلهُ بِـالقَـنـا أَحَـدٌ
فَـاِهـتِـف لِأَنـوَرِهـا وَاِحـمِـد نَـيازيها
مـا بَـيـنَ آمـالِكَ اللائي ظَـفِـرتَ بِها
وَبَــيــنَ مِــصــرَ مَـعـانٍ أَنـتَ تَـدريـهـا
شاركها مع اصدقائك

مشاركات الزوار

شاركنا بتعليق مفيد

الشاعر:

أحمد بن علي بن أحمد شوقي. أشهر شعراء العصر الأخير، يلقب بأمير الشعراء، مولده ووفاته بالقاهرة، كتب عن نفسه: (سمعت أبي يردّ أصلنا إلى الأكراد فالعرب) نشأ في ظل البيت المالك بمصر، وتعلم في بعض المدارس الحكومية، وقضى سنتين في قسم الترجمة بمدرسة الحقوق، وارسله الخديوي توفيق سنة 1887م إلى فرنسا، فتابع دراسة الحقوق في مونبلية، واطلع على الأدب الفرنسي وعاد سنة 1891م فعين رئيساً للقلم الإفرنجي في ديوان الخديوي عباس حلمي. وندب سنة 1896م لتمثيل الحكومة المصرية في مؤتمر المستشرقين بجينيف. عالج أكثر فنون الشعر: مديحاً، وغزلاً، ورثاءً، ووصفاً، ثم ارتفع محلقاً فتناول الأحداث الاجتماعية والسياسية في مصر والشرق والعالم الإسلامي وهو أول من جود القصص الشعري التمثيلي بالعربية وقد حاوله قبله أفراد، فنبذهم وتفرد. وأراد أن يجمع بين عنصري البيان: الشعر والنثر، فكتب نثراً مسموعاً على نمط المقامات فلم يلق نجاحاً فعاد إلى الشعر.
مولده 16-10-1868 ووفاته 14-10-1932
تصنيفات قصيدة بُشرى البَرِيَّةِ قاصيها وَدانيها