البيت العربي
شَرِبتُ كأسي أمام نفسي
عدد ابيات القصيدة:48
شَــرِبــتُ كـأسـي أمـام نـفـسـي
وقـلتُ يـا نـفـسُ مـا المَـرام
حــــيــــاةُ شَــــكٍّ ومـــوتُ شـــكٍّ
فــلنَــغــمُـرِ الشَـكَّ بـالمُـدام
آمــالُنــا شَــعـشَـعـت فـغـابـت
كــالآلِ أبــقـى لنـا الأوام
لا بــأس ليــس الحـيـاةُ إلّا
مَـــرحَـــلةٌ بَـــدوَّهـــا خِــتــام
إِن هــبَّتــ الريـحُ مـن جَـنـوبٍ
يَهُـــبُّ حُـــزنــي مــن الشَّمــال
وكــــلُّ ريـــحٍ لهـــا سُـــكـــونٌ
إلّا الأســى هــاجَه المَــلال
يَــئِنُّ قــلبــي عــلى حـبـيـبـي
ولا حَــبــيــبٌ إِلّا الخَــيــال
يـا نـفسُ صَبراً على البَلايا
فــــكــــلُّ شــــيــــءٍ إلى زَوال
أخَــذتُ نــفـسـي إلى طَـبـيـبـي
وقــلتُ يــا طَــبُّ مـا العِـلاج
فــراحَ يــأسـو سَـقـامَ جِـسـمـي
ويــحـسِـبُ الداءَ فـي المِـزاج
فــقــلتُ يــا صـاحِ جَـفَّ زَيـتـي
فَــبــاطــلاً تــجــبُــرُ السِّراج
اذا خَبا النُورُ في الدَرارِي
فــمــا تُــرى يَـنـفَـعُ الزُجـاج
وسِـرتُ والقَـلبَ فـي اصـطـحـاب
نَـقـفـو هَـوىً مـرَّ فـي العَجاج
أنــا وعـيـنـي نَـطـيـرُ شَـوقـاً
نَـسـيـرُ رَكـضـاً بـلا انـزِعـاج
والقـلبُ حـافٍ يَمشي الهُوَينا
عــلى شَــظــايــا مـن الزُجـاج
طــلبــتُ قــلبــي فــلم أجِــدهُ
أمــاتَ أم ضــلَّ فــي الفُـجـاج
وعُــدتُ نــحــو الوَرى فَـريـداً
يـسـوقُـنـي العـقـلُ بـالسِـياط
فـصـحـتُ يـا نـاسُ مـاتَ قـلبـي
طـفـلاً ومـا زال فـي القِماط
هــل تَــقــبَـلونـي بـلا فـؤادٍ
قــالوا وهــل مَـسَّكـَ اخـتِـلاط
أُنـظـرُ عـلى الأرضِ كـم قلوبٍ
دِيـسَـت لدَيـنـا عـلى السِـراط
ربّــاهُ مــا أكـثـر الضَّحـايـا
مـاتـوا زِحـامـاً على الدُروب
كـــلُّ الوَرى مَـــوكــبٌ مَهــيــبٌ
يــســيــرُ فـي مَـأتـمِ القـلوب
يـمـشـونَ والرَّمـسُ فـي حَـشاهم
والدَمُ يَــجــري مــن النُــدوب
مـا مـيـتَهـم يُـعـظِـمـون قَدراً
بـل ديـةَ المَـيـتِ في الجُيوب
يـا نـفـسُ رُحـمـاكِ أيـن نَمضي
فــمــا أمــامــي سِــوى قُـبـور
قـد سـامَـكِ العـقـلُ سَـوم علجٍ
مـا لا تُـطِـيـقـيـن مـن أُمـور
فَـلنـتَـرُكِ العـقـلَ حـيثُ يَبغى
فــليــسَ للعَــقــلِ مــن شُـعـور
أَتــتــرُكِــيـنَ الأنـامَ تَـركـاً
نُــحــرِقُ مــن بـعـدِهِ الجُـسـور
فــصـاحـت النـفـسُ بـي وقـالت
مـــا لي وللنـــاسِ والزِّحــام
أصـبـتِ يـا نـفـسُ فـاتـبـعِيني
فــليــسَ كــالغـابِ مـن مَـقـام
يــا غــابُ جِــئنــاكَ للتَـعـرِّي
أنـــا ونـــفــســي ولا حَــرام
فَــليُــذِعِ الغُــصــنُ مـا يـراه
مــنــا اذا أحــســنَ الكَــلام
وقــالت النــفــسُ لي أتــدري
مـا تَـقـصُـدُ الدَوحُ بـالحَـفيف
ذا الغـصـنُ يَـبـكي على طُيورٍ
أطـــرَبَه شَـــدوُهــا اللَطــيــف
طــارت وليــســت تَـعـودُ حـتـى
يَــخــضَــرَّ مــن دَوحِهِ اللَفـيـف
لو أنَّ هـذي الأشـجـارَ تَـمشي
ســارت إلى حــيــثُ لا خَـرِيـف
يــا نـفـسُ إِنَّ الحَـفـيـفَ لُغـزٌ
تَــفــهَــمُه الشـمـسُ والسَـحـاب
مـا ذاك شَـكوى بل ذاك نَجوى
مـن بـاطِنِ الأرضِ في التُراب
نَــجــوى أصــولٍ تَــحــنُّ شَـوقـاً
إلى ســــوى الريّ والشَــــراب
تَهُــزُّهــا كــلَّمــا اســتَــكــنَّت
ذِكــرى شُــمــوسٍ بــلا غِــيــاب
كـم دَوحـةٍ لا يَـبـيـنُ مـنـهـا
إلا قــليــلٌ مــن الكــثــيــر
فُـــروعُهـــا والغــصــونُ جُــزءٌ
بــــدا ولكــــنَّهـــ حَـــقـــيـــر
وتــحــتَ ســطــحِ الثَـرى أُصـولٌ
مَــحــجــوبــةٌ حَــجـمُهـا وَفِـيـر
فـيـهـا حـيـاةُ الغُـصـونِ لكـن
لَدَى الوَرى شَــأنُهــا صَــغـيـر
لو حـدَّقَ المـرءُ في البَرايا
لَشــامَ مـا لا تَـرى العُـيـون
مـــا حـــولَنــا عــالَمٌ خَــفــيّ
تُــدركُه الرُوحُ فــي السُـكـون
كَــم مُـبـصِـرٍ لا يَـرى وأعـمـى
يَـــرى ويَـــدري الذي يَــكــون
يـا وَيـحَ مـن لا يَـرَونَ شَيئاً
إِلّا اذا فــتَّحــوا الجُــفــون
مشاركات الزوار
شاركنا بتعليق مفيد
الشاعر: نسيب عريضة
شاعر أديب، من مؤسسي (الرابطة القلمية) في المهجر الأميركي.
ولد في حمص، وتعلم بها، ثم بالمدرسة الروسية بالناصرة، وهاجر إلى نيويورك (سنة 1905) فأنشأ مجلة (الفنون) سنة 1913 وأغلقها ثم أعادها، وأضاع في سبيلها ما يملك.
وعمل في التجارة، ثم تولى تحرير (مرآة الغرب) الجريدة اليومية، فجريدة (الهدى) وتوفى في مدينة بروكلن.
له: (الأرواح الحائرة - ط) ديوان شعره، و(أسرار البلاط الروسي - ط) قصة مترجمة، و(ديك الجن الحمصي - ط) قصة نشرها في (مجموعة الرابطة القلمية).