البيت العربي

لا عينَ يَبْقى منَ الدنيا ولا أثرَا
عدد ابيات القصيدة:55

لا عـيـنَ يَبْقى منَ الدنيا ولا أثرَا
فــكــيـفَ تـسـمَـعُ إن دُكَّتـْ وكـيـف تَـرَى
حـسـبُ الفـتـى نـظـرةً فـي كـلِّ عـاقـبةٍ
لولا تـــمـــنُّعـــُهُ عَـــنّــتْ له نَــظَــرا
مـا أشـبهَ الموتَ بالمحيا وأجدرَ مَن
لا يعرفُ الوِردَ أن لا يعرف الصَّدرا
أعــدَّ زادَيْــكَ مــن قــولٍ ومــنْ عَــمَــلٍ
إنَّ المُـقـامَ إذا طال اقتضى السَّفرا
وافـرُغْ لشـانـيـك مـن قـولٍ ومـن عـملٍ
كــلٌّ ســيــجــري مَـداهُ طـالَ أو قَـصُـرا
وسـلْ عـن النـاسِ هـل صـاروا مَـصيرَهُمُ
فــمــا أظــنُّكـَ مـمـنْ يـجـهـلُ الخـبـرا
قــضـيـتُ حـاجـة نـفـسـي غـيـرَ مـشـكـلة
في الموتِ لم أَقْضِ من علمٍ بها وطرا
أدنـو إليـهـا فـتـنـأى لا تلوحُ سوى
لبـسٍ مـن الظـنِّ لا عُـرْفـاً ولا نُـكُرا
وقـد أصـيـحُ بـمـثـل النـفـسِ مـن شَـفَقٍ
ودونـهـا مـا يـفـوتُ السـمَ والبـصـرا
هـيـهات أعياكَ ما أعيا الزمانَ فلا
تَـرْتَـبْ وإنْ تـسـتطعْ فاقدرْ كما قدرا
يا منْ رأى البرقَ بات الليلُ يكلؤُهُ
كــأنــه مــن ضُــلوعــي مُــشــبِهٌ سَـعَـرا
نــازعــتُهُ السُّهــدَ حـتـى كـدتُ أَغـلبُهُ
والليـلُ عـنـديَ قـد أَوْفَـى بـما نَذَرا
والنـجـمُ حـيـرانُ مـنْ أَيْـنٍ ومـن ضَـجَرٍ
فـلو هـوى أو عَـدا مـجـراه مـا شَعَرا
والصـبـحُ يـطـلبُ في جُنْح الدجى خَلَلاً
يَــلوحُ مــنــه ولو أَلفـاه مـا جـسـرا
مُــزْجَـىً أحـمُّ النـواحـي كـلمـا عَـرَضَـتْ
له الرُّبـى بـاتَ يُـغْـشِـيـهَا ربىً أُخَرا
مـن كـلِّ وطـفـاءَ لم تـكـذِبْ مـخـيلتُها
لو أنــهــا شـيـمـةٌ للدهـر مـا غـدرا
سَــدَّتْ مــهــبَّ الصَّبـا أعـجـازُ ريـقـهـا
عــن سُــدْفَـةٍ دونـهـا مـن هـوله غـررا
بـــحـــرٌ ولا شــكَّ إلا لمــعَ بــارقــةٍ
يــكــاد يَــفْـرَقُ مـنـهـا كـلمـا خَـطَـرا
قــد طــبَّقـَ الأرضَ مـنـهـا عـارضٌ غَـدِقٌ
مـا غـضَّ مـن طـله أنْ لم يـكـنْ مَـطـرا
إذا انــتــحـى بـلداً أَبْـصَـرْتَ سـاحـتَه
كـــأنَّهـــ وجــهُ مــعــروفٍ إذا شُــكِــرا
فــذاك أسْــقِــي بــه قـبـراً بـقـرطـبـةٍ
شــهــدتُهُ فــرأيـتُ الفـضـلَ قـد قُـبـرا
قــبــرٌ تـضـمَّنـَ مـن آلِ الربـيـع سـنـاً
شـمـسٍ تـوارتْ تـروقُ الشـمـسَ والقمرا
قــبـرٌ تـركـنـا بـه العـليـا مـغـمَّسـَةً
مــا بـيـن قَـسْـوَةِ أحـجـارٍ وليـن ثـرَى
قـبـرٌ تـركـنـا بـه روضَ المـنـى خَضِلاً
والشــمـسَ طـالعـةً والدمـعَ مـنـهـمـرا
فــقــلْ لطــلاّبِهــا والســائليـن لهـا
ولو حَـثَـوْنـا عـليها الأنجمَ الزُّهُرا
ســحُّوا عـليـه سـجـالَ الدمـع مُـتْـرَعَـةً
فـربـمـا انـشـقَّ عـمـا يـفـضـحُ الزَّهَرا
وآبْـكُـوا بـه كـعـبـةً أمـسَـتْ مناسكُها
سـاكـنـةَ القـبـر لا حِـجْراً ولا حَجَرا
ولا تـخـافُـوا عـليـهـا أن تـضـيعَ به
فــإنــمــا هــو جَـفْـنٌ وهـي فـيـه كـرى
بــالنــســك إذ كــلُّ أرْضٍ روضــةٌ أُنُــفٌ
حُــسْــنــاً وكــلُّ ســمــاء حُــلّةٌ سِــيَــرا
بـالحِـلْمِ حـيـنَ نَـطـيشُ الهُضْبُ من نَزَقٍ
وَتَـسْـقُـطُ الشـهـبُ مـن آفـاقِهـا ضَـجَـرا
بالجودِ إذ لا تُوَاسي العينُ ناظرَهَا
ولو أتَـى يَـجْـتَـديها السمعُ والبصرا
يــا حـسـرةً مـلأتْ صـدرَ الزمـانِ أسـىً
أَمْـسَـى وأصْـبَـحَ عـنـهـا ضـيّـقـاً حَـصِـرا
زالتْ جــبــالُ ســروري مِـنْ مَـواضِـعِهـا
واسـتـشـعـرَ الخوفَ منها كلُّ ليثِ شرى
وزالتِ الأرض أو زَلَّتْ بــســاكــنــهــا
هَـبـي فقد كاد يَمْضي الليلُ وابتدري
مـداكِ مـنـه فـلو يَـسْـطـيـعُ لابـتـدرا
وكــم أصــاخَ المُــصَـلَّى لو شـعـرتِ بـه
إلى تــــلاوتِــــك الآيــــاتِ والسُّوَرَا
وكــم أتــاهُ العَـذارَى يـلتـقـطْـنَ بـه
مـن دَمْـعِ أجـفـانِكِ المرجانَ والدُّرَرَا
وَفــيــنَهُ كُــنْهَهُ وانـظـمـنـهـا سُـبَـحـاً
فــربــمـا ذُمَّ بـعـضُ الحَـلْي أو حُـظِـرَا
وإن أبــيــتــنَّ إلا عِــقْــدَ غــانــيــةٍ
فـامـنحنهُ الحُوْرَ لا نَمْنَحْنَهُ البَشَرا
مــن كــلِّ مــكــنــونــة كــالدرّ آنـسـةٍ
تَـضْـحَـى بَهَـاءً وإنْ لم تَـبْـرَحِ الخُمُرا
لمــن تـركـتِ اليـتـامـى إذ تَـرَكْـتِهِـمُ
شُــعْـثَ المـفـارقِ لا مـاء ولا شـجـرا
حَــوْلي ذَرَاكِ وكــانــوا يـلبـثـونَ بـه
لا تَـبْـعَـدِي أو فـلا يَبْعَدْ ذراكِ ذرا
يــا حــامـلي نـعـشـهـا أنَّى لخَـطْـوِكُـمُ
فــقــد حــمـلتـمْ بـه أُعـجـوبـةً خَـطَـرا
ضَــعُــوه يــحْــمِــلُهُ مــن هــهـنـا نَـفَـسٌ
يُـورِي الحـنـيـنَ ودمـعٌ يُـغْرِقُ الذكرا
قــد أُزْلِفَـتْ جـنـةُ الفـردوسِ واطَّلـَعَـتْ
جـاراتُـكِ الحـورُ يـسـتـهدينكِ الأثرا
وبــتــنَ مــنــتــظــراتٍ والمــدى أمَــمٌ
وقـلَّ مـا بـاتَ مـسـروراً مَـنِ انـتـظرا
هــلِ الحــيـاةُ وإنْ راقـتْ بـشـاشَـتُهـا
إلا الغــمـامُ تَـسَـرّى والخـيـالُ سـرى
أمــا الحــيــاءُ فـشـيـءٌ أنـتَ غـايـتُهُ
وإن تَــغَـاضَـى جـهـولٌ أو إنِ ائْتَـمَـرا
اسـتـبـقِ قـلبـكَ إنْ قـلبُ الأريبِ هفا
وكــفَّ دَمْــعَــكَ إنْ دَمْـعُ اللبـيـبِ جـرى
وعـاودِ الصـبـرَ يـومـاً مـنـك تـحظَ به
فــكــم وَسَـمْـتَ بـه الآصـالَ وَالبُـكَـرا
وكـــن كَـــعَهْــديَ والألبــابُ طــائشــةٌ
والبـيـضُ تَـلْتـهـمُ الهـاماتِ والقِصرا
وللرَّدى مــــأربٌ فــــي كــــلِّ رابــــئةٍ
وقـد دعـا الجَـفَـلى داعـبـه والنَّقرى
لا تـنـسَ حـظّـكَ مـنْ حُـسْنِ العزاء فما
أبـديـتَ فـي مـثـلهـا جُبْناً ولا خَورَا
لم آتِ قــاصـي مـا أوْسـعْـتُهـا هـمـمـي
مــن السُّمــودِ ولكــن جــئتُ مــعـتـذرا
عـبـدٌ أتـى تـاليـاً إذ لم يـجدْ فَرَطاً
لعـله حـيـنَ لم يـحـجـجْ قـد اعـتـمـرا
مشاركات الزوار
شاركنا بتعليق مفيد
الشاعر: الأعمى التطيلي
ترجم له ابن بسام في الذخيرة وأورد نماذج من ترسله وشعره وكناه أبا جعفر قال:
له أدب بارع، ونظر في غامضه واسع، وفهم لا يجارى، وذهن لا يبارى، ونظم كالسحر الحلال، ونثر كالماء الزلال، جاء في ذلك بالنادر المعجز، في الطويل منه والموجز؛ نظم أخبار الأمم في لبة القريض، وأسمع فيه ما هو أطرف من نغم معبد والغريض. وكان بالأندلس سر الإحسان، وفردا في الزمان، إلا أنه لم يطل زمانه، ولا امتد أوانه، واعتبط عندما به اغتبط، وأضحت نواظر الآداب لفقده رمدة، ونفوس أهله متفجعة كمدة. وقد أثبت ما يشهد له بالإحسان والانطباع، ويثني عليه أعنة السماع.