قصيدة يا نائح الطلح أشباه عوادينا للشاعر أحمد شوقي

البيت العربي

يا نائِحَ الطَلحِ أَشباهٌ عَوادينا


عدد ابيات القصيدة:83


يا نائِحَ الطَلحِ أَشباهٌ عَوادينا
يـا نـائِحَ الطَـلحِ أَشـبـاهٌ عَـواديـنـا
نَـشـجـى لِواديـكَ أَم نَـأسـى لِواديـنـا
مــاذا تَــقُــصُّ عَـلَيـنـا غَـيـرَ أَنَّ يَـداً
قَــصَّتـ جَـنـاحَـكَ جـالَت فـي حَـواشـيـنـا
رَمـى بِـنـا البَـينُ أَيكاً غَيرَ سامِرِنا
أَخــا الغَـريـبِ وَظِـلّاً غَـيـرَ نـاديـنـا
كُـلٌّ رَمَـتـهُ النَـوى ريـشَ الفِـراقُ لَنا
سَهــمـاً وَسُـلَّ عَـلَيـكَ البَـيـنُ سِـكّـيـنـا
إِذا دَعـا الشَـوقُ لَم نَـبـرَح بِـمُـنصَدِعٍ
مِــنَ الجَــنــاحَــيـنِ عَـيٍّ لا يُـلَبّـيـنـا
فَإِن يَكُ الجِنسُ يا اِبنَ الطَلحِ فَرَّقَنا
إِنَّ المَـصـائِبَ يَـجـمَـعـنَ المُـصـابـيـنا
لَم تَــألُ مــاءَكَ تَـحـنـانـاً وَلا ظَـمَـأً
وَلا اِدِّكــاراً وَلا شَـجـوا أَفـانـيـنـا
تَــجُــرُّ مِــن فَــنَــنٍ ســاقــاً إِلى فَـنَـنٍ
وَتَـسـحَـبُ الذَيـلَ تَـرتـادُ المُـؤاسـينا
أُســاةُ جِــســمِـكَ شَـتّـى حـيـنَ تَـطـلُبُهُـم
فَــمَـن لِروحِـكَ بِـالنُـطـسِ المُـداويـنـا
آهــا لَنــا نــازِحــي أَيــكٍ بِــأَنــدَلُسٍ
وَإِن حَــلَلنـا رَفـيـقـاً مِـن رَوابـيـنـا
رَســمٌ وَقَـفـنـا عَـلى رَسـمِ الوَفـاءِ لَهُ
نَـجـيـشُ بِـالدَمـعِ وَالإِجـلالِ يَـثـنينا
لِفِــتــيَــةٍ لا تَـنـالُ الأَرضُ أَدمُـعَهُـم
وَلا مَـــفـــارِقَهُـــم إِلّا مُـــصَــلّيــنــا
لَو لَم يَـسـودوا بِـديـنٍ فـيـهِ مَـنـبَهَةٌ
لِلنـاسِ كـانَـت لَهُـم أَخـلاقُهُـم ديـنـا
لَم نَـــســـرِ مِــن حَــرَمٍ إِلّا إِلى حَــرَمٍ
كَـالخَـمـرِ مِـن بـابِـلٍ سـارَت لِداريـنا
لَمّـا نَـبـا الخُـلدُ نـابَـت عَنهُ نُسخَتُهُ
تَــمــاثُـلَ الوَردِ خِـيـرِيّـاً وَنَـسـريـنـا
نَــسـقـي ثَـراهُـم ثَـنـاءً كُـلَّمـا نُـثِـرَت
دُمــوعُـنـا نُـظِـمَـت مِـنـهـا مَـراثـيـنـا
كــادَت عُــيــونُ قَــوافــيــنــا تُـحَـرِّكُهُ
وَكِـدنَ يـوقِـظـنَ في التُربِ السَلاطينا
لَكِــنَّ مِــصــرَ وَإِن أَغــضَــت عَــلى مِـقَـةٍ
عَـيـنٌ مِـنَ الخُـلدِ بِـالكـافورِ تَسقينا
عَــلى جَــوانِــبِهــا رَفَّتــ تَــمــائِمُـنـا
وَحَــولَ حــافــاتِهـا قـامَـت رَواقـيـنـا
مَــلاعِــبٌ مَــرِحَــت فــيــهــا مَــآرِبُـنـا
وَأَربُــعٌ أَنِــسَــت فــيــهــا أَمـانـيـنـا
وَمَـــطـــلَعٌ لِسُـــعـــودٍ مِــن أَواخِــرِنــا
وَمَـــغـــرِبٌ لِجُـــدودٍ مِـــن أَواليـــنـــا
بِــنّـا فَـلَم نَـخـلُ مِـن رَوحٍ يُـراوِحُـنـا
مِــن بَــرِّ مِــصــرَ وَرَيـحـانٍ يُـغـاديـنـا
كَـأُمِّ مـوسـى عَـلى اِسـمِ اللَهِ تَـكفُلُنا
وَبِـاِسـمِهِ ذَهَـبَـت فـي اليَـمِّ تُـلقـيـنـا
وَمِـصـرُ كَـالكَـرمِ ذي الإِحـسـانِ فاكِهَةٌ
لِحـــاضِـــريـــنَ وَأَكـــوابٌ لِبــاديــنــا
يـا سـارِيَ البَـرقِ يَـرمي عَن جَوانِحِنا
بَـعـدَ الهُـدوءِ وَيَهـمـي عَـن مَـآقـيـنـا
لَمّـا تَـرَقـرَقَ فـي دَمـعِ السَـمـاءِ دَمـاً
هـاجَ البُـكـا فَـخَضَبنا الأَرضَ باكينا
اللَيــلُ يَــشــهَــدُ لَم نَهـتِـك دَيـاجِـيَهُ
عَــلى نِــيــامٍ وَلَم نَهـتِـف بِـسـاليـنـا
وَالنَــجــمُ لَم يَــرَنــا إِلّا عَـلى قَـدَمٍ
قِـيـامَ لَيـلِ الهَـوى لِلعَهـدِ راعـيـنـا
كَــزَفــرَةٍ فــي سَــمــاءِ اللَيـلِ حـائِرَةٍ
مِــمّــا نُــرَدِّدُ فــيــهِ حـيـنَ يُـضـويـنـا
بِـاللَهِ إِن جُـبـتَ ظَـلماءَ العُبابِ عَلى
نَــجــائِبِ النــورِ مَــحــدُوّاً بِـجـريـنـا
تَـــرُدُّ عَـــنـــكَ يَـــداهُ كُـــلَّ عـــادِيَــةٍ
إِنـسـاً يَـعِـثـنَ فَـسـاداً أَو شَـيـاطـينا
حَــتّــى حَـوَتـكَ سَـمـاءُ النـيـلِ عـالِيَـةٍ
عَـلى الغُـيـوثِ وَإِن كـانَـت مَـيـامـينا
وَأَحـــرَزَتـــكَ شُــفــوفُ اللازَوَردِ عَــلى
وَشــيِ الزَبَـرجَـدِ مِـن أَفـوافِ واديـنـا
وَحــــازَكَ الريـــفُ أَرجـــاءً مُـــؤَرَّجَـــةً
رَبَــت خَــمــائِلَ وَاِهــتَـزَّت بَـسـاتـيـنـا
فَـقِـف إِلى النـيـلِ وَاِهتُف في خَمائِلِهِ
وَاِنـزِل كَـمـا نَـزَلَ الطَـلُّ الرَيـاحينا
وَآسِ مــا بــاتَ يَــذوي مِـن مَـنـازِلِنـا
بِـالحـادِثـاتِ وَيَـضـوى مِـن مَـغـانـيـنا
وَيــا مُــعَــطِّرَةَ الوادي سَــرَت سَــحَــراً
فَــطــابَ كُــلُّ طُــروحٍ مِــن مَــرامــيـنـا
ذَكِــيَّةــُ الذَيــلِ لَو خِـلنـا غِـلالَتَهـا
قَـمـيـصَ يـوسُـفَ لَم نُـحـسَـب مُـغـاليـنـا
جَـشِـمـتِ شَـوكَ السُـرى حَـتّـى أَتَـيتِ لَنا
بِـالوَردِ كُـتـبـاً وَبِـالرَيّـا عَـنـاوينا
فَــلَو جَــزَيــنــاكِ بِــالأَرواحِ غـالِيَـةً
عَـن طـيـبِ مَـسـراكِ لَم تَـنهَض جَوازينا
هَــل مِــن ذُيــولِكِ مَــســكِــيٌّ نُــحَــمِّلــُهُ
غَـرائِبَ الشَـوقِ وَشـيـاً مِـن أَمـاليـنـا
إِلى الَّذيـــنَ وَجَـــدنــا وُدَّ غَــيــرِهِــمُ
دُنـيـا وَوُدَّهُـمـو الصـافـي هُوَ الدينا
يـا مَـن نَـغـارُ عَـلَيـهِـم مِـن ضَمائِرِنا
وَمِــن مَـصـونِ هَـواهُـم فـي تَـنـاجـيـنـا
غـابَ الحَـنـيـنُ إِلَيـكُـم فـي خَـواطِرِنا
عَــنِ الدَلالِ عَـلَيـكُـم فـي أَمـانـيـنـا
جِـئنـا إِلى الصَـبـرِ نَـدعـوهُ كَعادَتِنا
فـي النـائِبـاتِ فَـلَم يَـأخُـذ بِأَيدينا
وَمــا غُــلِبــنــا عَــلى دَمـعٍ وَلا جَـلَدٍ
حَـتّـى أَتَـتـنـا نَـواكُـم مِـن صَـيـاصينا
وَنـــابِـــغـــي كَـــأَنَّ الحَـــشـــرَ آخِــرُهُ
تُـمـيـتُـنـا فـيـهِ ذِكـراكُـم وَتُـحـيـينا
نَــطــوي دُجـاهُ بِـجُـرحٍ مِـن فُـراقِـكُـمـو
يَـكـادُ فـي غَـلَسِ الأَسـحـارِ يَـطـويـنـا
إِذا رَسـا النَـجـمُ لَم تَـرقَأ مَحاجِرُنا
حَــتّــى يَــزولَ وَلَم تَهــدَأ تَـراقـيـنـا
بِـتـنـا نُـقـاسـي الدَواهي مِن كَواكِبِهِ
حَـتّـى قَـعَـدنـا بِهـا حَـسـرى تُـقـاسينا
يَــبـدو النَهـارُ فَـيَـخـفـيـهِ تَـجَـلُّدُنـا
لِلشــامِــتــيــنَ وَيَــأســوهُ تَــأَسّــيـنـا
سَــقـيـاً لِعَهـدٍ كَـأَكـنـافِ الرُبـى رِفَـةً
أَنّـى ذَهَـبـنـا وَأَعـطـافِ الصَـبـا لينا
إِذِ الزَمــانُ بِــنــا غَــيـنـاءُ زاهِـيَـةٌ
تَــرِفُّ أَوقــاتُــنـا فـيـهـا رَيـاحـيـنـا
الوَصــلُ صــافِــيَــةٌ وَالعَــيـشُ نـاغِـيَـةٌ
وَالسَـعـدُ حـاشِـيَـةٌ وَالدَهـرُ مـاشـيـنـا
وَالشَـمـسُ تَختالُ في العِقيانِ تَحسَبُها
بَـلقـيـسَ تَـرفُـلُ فـي وَشـيِ اليَـمانينا
وَالنـيـلُ يُقبِلُ كَالدُنيا إِذا اِحتَفَلَت
لَو كـانَ فـيـهـا وَفـاءٌ لِلمُـصـافـيـنـا
وَالسَـعـدُ لَو دامَ وَالنُعمى لَوِ اِطَّرَدَت
وَالسَـيـلُ لَو عَـفَّ وَالمِـقدارُ لَو دينا
أَلقـى عَـلى الأَرضِ حَـتّـى رَدَّهـا ذَهَـباً
مـاءً لَمَـسـنـا بِهِ الإِكـسـيرَ أَو طينا
أَعـداهُ مِـن يُـمـنِهِ التابوتُ وَاِرتَسَمَت
عَــلى جَــوانِـبِهِ الأَنـوارُ مِـن سـيـنـا
لَهُ مَــبـالِغُ مـا فـي الخُـلقِ مِـن كَـرَمٍ
عَهــدُ الكِـرامِ وَمـيـثـاقُ الوَفِـيّـيـنـا
لَم يَــجــرِ لِلدَهــرِ إِعــذارٌ وَلا عُــرُسٌ
إِلّا بِــأَيّــامِــنــا أَو فـي لَيـاليـنـا
وَلا حَـوى السَـعـدُ أَطـغـى فـي أَعِـنَّتـِهِ
مِــنّـا جِـيـاداً وَلا أَرحـى مَـيـاديـنـا
نَـحـنُ اليَـواقـيتُ خاضَ النارَ جَوهَرُنا
وَلَم يَهُـن بِـيَـدِ التَـشـتـيـتِ غـاليـنـا
وَلا يَـــحـــولُ لَنــا صِــبــغٌ وَلا خُــلُقٌ
إِذا تَــلَوَّنَ كَــالحِــربــاءِ شــانــيـنـا
لَم تَـنـزِلِ الشَـمـسُ ميزاناً وَلا صَعَدَت
فـي مُـلكِها الضَخمِ عَرشاً مِثلَ وادينا
أَلَم تُــــؤَلَّه عَــــلى حـــافـــاتِهِ وَرَأَت
عَـلَيـهِ أَبـنـاءَهـا الغُـرَّ المَـيـامينا
إِن غـازَلَت شـاطِـئَيـهِ في الضُحى لَبِسا
خَـمـائِلَ السُـنـدُسِ المَـوشِـيَّةـِ الغـينا
وَبــاتَ كُــلُّ مُــجــاجِ الوادِ مِــن شَـجَـرٍ
لَوافِـظَ القَـزِّ بِـالخـيـطـانِ تَـرمـيـنـا
وَهَــذِهِ الأَرضُ مِــن سَهــلٍ وَمِــن جَــبَــلٍ
قَــبـلَ القَـيـاصِـرِ دِنّـاهـا فَـراعـيـنـا
وَلَم يَــضَــع حَــجَــراً بــانٍ عَــلى حَـجَـرٍ
فـي الأَرضِ إِلّا عَـلى آثـارِ بـانـيـنا
كَـــأَنَّ أَهـــرامَ مِــصــرٍ حــائِطٌ نَهَــضَــت
بِهِ يَـدُ الدَهـرِ لا بُـنـيـانُ فـانـيـنا
إيـوانُهُ الفَـخـمُ مِـن عُـليـا مَـقـاصِرِهِ
يُـفـني المُلوكَ وَلا يُبقي الأَواوينا
كَــأَنَّهــا وَرِمــالاً حَــولَهـا اِلتَـطَـمَـت
سَــفــيــنَــةٌ غَــرِقَــت إِلّا أَســاطــيـنـا
كَــأَنَّهــا تَـحـتَ لَألاءِ الضُـحـى ذَهَـبـاً
كُــنــوزُ فِــرعَـونَ غَـطَّيـنَ المَـوازيـنـا
أَرضُ الأُبُــوَّةِ وَالمــيــلادِ طَــيَّبــَهــا
مَـرُّ الصِـبـا فـي ذُيـولٍ مِـن تَـصـابينا
كــانَــت مُــحَــجَّلـَةٌ فـيـهـا مَـواقِـفُـنـا
غُــرّاً مُــسَـلسَـلَةَ المَـجـرى قَـوافـيـنـا
فَــآبَ مِــن كُــرَةِ الأَيّــامِ لاعِــبُــنــا
وَثــابَ مِــن سِـنَـةِ الأَحـلامِ لاهـيـنـا
وَلَم نَــدَع لِلَيــالي صــافِــيــاً فَـدَعَـت
بِــأَن نَــغَــصَّ فَــقــالَ الدَهـرُ آمـيـنـا
لَوِ اِسـتَـطَـعـنـا لَخُـضـنـا الجَوَّ صاعِقَةً
وَالبَـرَّ نـارَ وَغـىً وَالبَـحـرَ غِـسـليـنا
سَـعـيـاً إِلى مِـصـرَ نَـقـضـي حَقَّ ذاكِرِنا
فـيـهـا إِذا نَـسِـيَ الوافـي وَبـاكـينا
كَــنــزٌ بِــحُــلوانَ عِـنـدَ اللَهِ نَـطـلُبُهُ
خَـيـرَ الوَدائِعِ مِـن خَـيـرِ المُـؤَدّيـنـا
لَو غــابَ كُـلُّ عَـزيـزٍ عَـنـهُ غَـيـبَـتَـنـا
لَم يَـأتِهِ الشَـوقُ إِلّا مِـن نَـواحـيـنا
إِذا حَــمَــلنــا لِمِــصـرٍ أَو لَهُ شَـجَـنـاً
لَم نَــدرِ أَيُّ هَـوى الأُمَّيـنِ شـاجـيـنـا
شاركها مع اصدقائك

مشاركات الزوار

شاركنا بتعليق مفيد

الشاعر:

أحمد بن علي بن أحمد شوقي. أشهر شعراء العصر الأخير، يلقب بأمير الشعراء، مولده ووفاته بالقاهرة، كتب عن نفسه: (سمعت أبي يردّ أصلنا إلى الأكراد فالعرب) نشأ في ظل البيت المالك بمصر، وتعلم في بعض المدارس الحكومية، وقضى سنتين في قسم الترجمة بمدرسة الحقوق، وارسله الخديوي توفيق سنة 1887م إلى فرنسا، فتابع دراسة الحقوق في مونبلية، واطلع على الأدب الفرنسي وعاد سنة 1891م فعين رئيساً للقلم الإفرنجي في ديوان الخديوي عباس حلمي. وندب سنة 1896م لتمثيل الحكومة المصرية في مؤتمر المستشرقين بجينيف. عالج أكثر فنون الشعر: مديحاً، وغزلاً، ورثاءً، ووصفاً، ثم ارتفع محلقاً فتناول الأحداث الاجتماعية والسياسية في مصر والشرق والعالم الإسلامي وهو أول من جود القصص الشعري التمثيلي بالعربية وقد حاوله قبله أفراد، فنبذهم وتفرد. وأراد أن يجمع بين عنصري البيان: الشعر والنثر، فكتب نثراً مسموعاً على نمط المقامات فلم يلق نجاحاً فعاد إلى الشعر.
مولده 16-10-1868 ووفاته 14-10-1932
تصنيفات قصيدة يا نائِحَ الطَلحِ أَشباهٌ عَوادينا