البيت العربي

يَفْديكَ كلُّ جبانٍ في ثيابِ جَرِي
عدد ابيات القصيدة:48

يَــفْــديــكَ كــلُّ جــبــانٍ فـي ثـيـابِ جَـرِي
نــازَعْــتَهُ الوِرْدَ واســتــأثـرتَ بـالصَّدَرِ
لمــا رأى الخُـبْـرَ شـيـئاً ليـسَ يَـنْـكِـرُهُ
أحــالَ بـالديـنِ والدنـيـا عـلى الأثـر
ولِّ السُّهـــى مـــا تــولَّى مــن تــكــذُّبــه
إن المـــزيَّةـــ عــنــد النــاس للقــمــر
وهــيَ الشِّفــارُ إذا الإقــدامُ جــرَّدَهــا
ألوتْ بــمــا تَــدَّعِــيــهِ العــيـنُ للسَّهـَر
والنــاسُ كــالنــاسِ إلا أن تــجــرِّبَهُــمْ
وللبـــصـــيـــرةِ حـــكـــمٌ ليـــس للبــصــر
كــالأيْــكِ مُــشْــتَـبِهـاتٌ فـي مـنـابـتـهـا
وإنــمــا يــقــعُ التــفــضــيــلُ بـالثَّمـر
ولَّى رجـــالٌ غـــضــابــاً حــيــن سُــدْتُهُــمُ
لا ذنــبَ للخــيــل إذ لا عُــذْرَ لِلْحُـمُـر
واســتــشــرفــوا كــلمــا أحـرزتُ طـائلةً
وللســــنــــان مــــجــــالٌ ليـــسَ للإبـــر
طُــوْلُوا وإلا فَــكُــفُّو مــن تــطــاولكــمْ
إن المــــآثـــرَ أعـــوانٌ عـــلى الأثـــر
مَــلِلْتُ حــمــصَ وَمَــلَّتــنــي فــلو نَــطَـقَـتْ
كــمــا نــطــقــتُ تَــلاَحَــيْـنَـا عـلى قَـدَر
وَسَـــوَّلَتْ ليَ نَـــفْـــســـي أنْ أُفـــارِقَهـــا
والماءُ في المزن أصْفَى منه في الغُدُر
هـيـهـاتِ بـل ربّـمـا كـان الرحـيـلُ غـداً
كـالمـالِ أُحْـيِـي بـه فَـقْـراً مـن العـمـر
كــم سـاهـرٍ يـسـتـطـيـلُ الليـلَ مـن دَنَـفٍ
لم يـــدرِ أن الرَّدَى آتٍ مـــع الســـحـــر
أمَـا اشْـتَـفَـتْ مـنِّيـَ الأيـامُ فـي وطـنـي
حــتــى تُــضَــايِــقَ فــيــمـا عَـنَّ مـن وطـر
ولا قَــضَـتْ مـن سـوادِ العـيـن حـاجَـتَهـا
حــتــى تَــكُـرَّ عـلى مـا كـانَ فـي الشَّعـَر
كـم ليـلةٍ جُـبْـتُ ثِـنْـيـيْ طُـولهـا بـفـتـىً
شــتَّى المــسـالكِ بـيـن النـفـع والضـرر
حـــتـــى بــدا ذنــبُ الســرحــانِ لي وله
كـــأنـــمــا هــو زَنْــدٌ بــالصَّبــَاحِ يَــرِي
فــي فـتـيـةٍ يُـنْهِـبُـونَ الليـل عَـزْمَـتَهـم
فـــليـــس يَـــطْـــرُقُهُـــمْ إلاَّ عـــلى حــذر
لا يَــرْحَــضــون دُجَــاه كــلمـا اعـتـكَـرَتْ
إلا بــــمــــالٍ ضــــيــــاعٍ أو دمٍ هَــــدَر
لهــم هــمــومٌ تـكـادُ العـيـسُ تـعـرفـهـا
وربَّمــا اشــتــمــلتْ بــالحــادث النـكـر
بــاتـت تَـخَـطَّى النـجـومَ الزُّهْـرَ صـاعـدةً
كــأنَّمــا تَــفْــتَــليــهــا عـن بـنـي زُهُـر
القــائلي اقْــدُمــي والأرضُ قــد رَجَـفَـتْ
إلاَّ رُبـىً مـن بـقـايـا البـيـضِ والسُّمـُر
والهـامُ تـحـتَ الظُّبـا والبيضُ قد حَمِيَتْ
فـــمـــا تَـــطَـــايَــرُ إلاَّ وهــي كــالشَّرر
أثـــنـــاءَ كـــلِّ ســـنـــان عُـــلَّ فــي زَرَدٍ
كــــأنــــه جــــدولٌ أفْــــضَـــى إلى نَهَـــر
والخــيـلُ شُـعـثُ النَّواصـي فـوقـهـا بُهَـمٌ
حُـــمْـــسُ العــزائمِ والأخــلاقِ وَالمِــرَر
شـابـت مـن النـقع فارتاب الشباب بها
فَــغُــيِّرَتْ مــن دمِ الأبــطــالِ بــالشَّقــَر
والشَّيـــبُ مـــمــا أظــنُّ الدهــرَ صــحَّفــَهُ
مــعـنـىً مـن النّـقـصِ عـمّـاهُ عـن البـشـر
لو يــعـلمُ الأفْـقُ أن الشـيـبَ مَـنْـقَـصـةٌ
لم تَــسْــرِ أنــجــمــه فــيــه ولم تَــسِــر
وليــس للمــرء بــعــد الشـيـبِ مُـقْـتَـبَـلٌ
نــهــايــةُ الروضِ أن يــعــتــمَّ بـالزّهـرِ
أمـا تـرى العِـرْمِـسَ الوجـنـاء كيف شَكَتْ
طــولَ السّــفــار فـلم تَـعْـجِـزْ ولم تَـخُـرِ
تــســري ولو أنَّ جَــوْنَ الليــلِ مــعـركـةٌ
مــن الرّدى كــاشـراً فـيـهـا عـن الظُّفـر
بــاتــتْ تَــوَجَّى وقــد لانــت مــواطـئهـا
كــأنَّهــا إنّــمــا تــخــطــو عـلى الإبـر
مــن كــلِّ نــاجــيــةِ الآمـال قـد فَـصَـلَتْ
مــن الرّدَى فــحــســبـنـاهـا مـن البُـكُـر
تَـخـشـى الزمـام فـتـثـنـي جِـيـدَها فَرَقاً
كــــأنَهُ مــــن تـــثـــنّـــي حَـــيَّةـــٍ ذكـــر
تــجــري فــللمــاءِ ســاقــاً عـائمٍ دَرشـبِ
وللريــــاحِ جَــــنَــــاحــــا طـــائرٍ ذكـــر
قـد قَـسّـمـتْهَـا يـدُ التـدبـيـرِ بـيـنـهما
عــلى السَّواءِ فــلم تَــسْــبَــحْ ولم تـطـر
أمْــلَلْتُهــا فــاســتــبـانـتْ نـصـفَ دائرةٍ
لو كُــلِّفَــتْ شَــأوَهَــا الأَفـلاك لم تَـدُرِ
بــهــيــمــةٌ لو تُــوَفَّى كــنــه شِــرَّتــهــا
لفــاتــتِ الخــيــلَ بـالأَحْـجَـالِ والغُـرَرِ
أمـــا إيـــادٌ فـــحـــازتْ كــلَّ مَــكْــرُمَــةٍ
لولا مـــكـــانُ رســولِ اللهِ مــنْ مُــضَــر
وأوقــدوا ونــجــومُ الليــل قــد خَـمَـدَتْ
فــي لجِّ طــامٍ مــن الصــنَّبــْرِ مُــعْــتَـكـر
ألقــى المــراســيَ واشــتــدتْ غَــيَـاطِـلُهُ
عـــلى ذُكَـــاء فــلم تَــطْــلُعْ ولم تَــغُــرِ
وَأتْـــرَعَ الوَهْـــدَ مـــن إزبـــادِ لجــتــه
كــالتـرس يَـثْـبُـتُ بـيـن القَـوْسِ والوتـر
فـــالأرض مَـــلســاءُ لا أمْــتٌ ولا عِــوَجٌ
كــنــقــطــةٍ مــنْ سَـرَابِ القـاعِ لم تَـمُـر
أفَــادنــي حُــبُّكــَ الإبــداعَ مــكــتـهـلاً
وربــمــا نَــفَــعَ التـعـليـمُ فـي الكـبـر
أيــن ابـنُ بـابَـكَ أو مـهـيـارُ مـن مِـدَحٍ
نَــسَـقْـتُهـا فـيـك نَـسْـقَ الأنـجـم الزهـر
إذا رَمَــيْــتُ القــوافــي فـي فـرائصـهـا
لم أرْمــهــا مُــتْــلِجــاً كــفَّيـَّ فـي قُـتَـر
أبــا العـلاءِ وحَـسْـبـي أن تُـصـيـخَ لهـا
إقــرارَ جــانٍ وإن شــئتَ اعــتـذار بـري
أنـا الذي أجـتـنـي الحـرمـانَ من أدبي
إنّ النــواظــرَ قــد تُــؤتَـى مـن النـظـر
مشاركات الزوار
شاركنا بتعليق مفيد
الشاعر: الأعمى التطيلي
ترجم له ابن بسام في الذخيرة وأورد نماذج من ترسله وشعره وكناه أبا جعفر قال:
له أدب بارع، ونظر في غامضه واسع، وفهم لا يجارى، وذهن لا يبارى، ونظم كالسحر الحلال، ونثر كالماء الزلال، جاء في ذلك بالنادر المعجز، في الطويل منه والموجز؛ نظم أخبار الأمم في لبة القريض، وأسمع فيه ما هو أطرف من نغم معبد والغريض. وكان بالأندلس سر الإحسان، وفردا في الزمان، إلا أنه لم يطل زمانه، ولا امتد أوانه، واعتبط عندما به اغتبط، وأضحت نواظر الآداب لفقده رمدة، ونفوس أهله متفجعة كمدة. وقد أثبت ما يشهد له بالإحسان والانطباع، ويثني عليه أعنة السماع.