قصيدة أخوك معذب يا أم دفر للشاعر أَبو العَلاء المَعَرِي

البيت العربي

أَخوكِ مُعَذَّبٌ يا أُمَّ دَفرٍ


عدد ابيات القصيدة:56


أَخوكِ مُعَذَّبٌ يا أُمَّ دَفرٍ
أَخـــوكِ مُـــعَـــذَّبٌ يـــا أُمَّ دَفــرٍ
أَظَــلَّتــهُ الخُــطــوبُ وَأَرهَــقَـتـهُ
وَمــا زالَت مُـعـانـاةُ الرَزايـا
عَـلى الإِنـسـانِ حَـتّـى أَزهَـقَـتـهُ
كَـــــأَنَّ حَـــــوادِثَ الأَيّــــامِ آمٌ
تُــريـقُ بِـجَهـلِهـا مـا أَدهَـقَـتـهُ
تَــروقُــكَ مِــن مَــشـارِبِهـا بِـمُـرٍّ
وَكُـــلُّ شَـــرابِهــا مــا رَوَّقَــتــهُ
وَنَـفـسـي وَالحَـمـامَـةُ لَم تُـطَـوَّق
مُــــيَــــسَّرَةٌ لِأَمـــرٍ طَـــوَّقَـــتـــهُ
أَرى الدُنـيـا وَمـا وُصِـفَـت بِـبِرٍّ
مَـتـى أَغـنَـت فَـقـيـراً أَوهَـقَـتـهُ
إِذا خُـــشِـــيَــت لِشَــرٍّ عَــجَّلــَتــهُ
وَإِن رُجِــيَــت لِخَــيــرٍ عَــوَّقَــتــهُ
حَــيــاةٌ كَــالحِـبـالَةِ ذاتُ مَـكـرٍ
وَنَــفــسُ المَـرءِ صَـيـدٌ أَعـلَقَـتـهُ
وَأَنــظُــرُ سَهــمَهـا قَـد أَرسَـلَتـهُ
إِلَيَّ بِـــنَـــكــبَــةٍ أَو فَــوَّقَــتــهُ
فَــلا يُــخـدَعُ بِـحـيـلَتِهـا أَريـبٌ
وَإِن هِـــيَ سَـــوَّرَتــهُ وَنَــطَّقــَتــهُ
تَـعَـلَّقَهـا اِبـنُ أُمِّكـَ فـي صِـبـاهُ
فَهــامَ بِــفــارِكٍ مــا عُــلَّقَــتــهُ
أَجَــدَّت فــي مُــنـاهُ وُعـودَ مَـيـنٍ
إِلى أَن أَخــلَفَــتــهُ وَأَخــلَقَـتـهُ
يُــطَــلِّقُ عِــرسَهُ إِن مَــلَّ مِــنـهـا
وَيَــأسَــفُ إِثــرَ عِــرسٍ طَــلَّقَــتــهُ
أَكَــلَّتــهُ النَهــارَ وَأَنــصَــبَـتـهُ
وَأَشــكَــتــهُ الظَــلامَ وَأَرَّقَــتــهُ
سَــقَــتـهُ زَمـانَهُ مِـقـراً وَصـابـاً
وَكَــأسُ المَـوتِ آخِـرُ مـا سَـقَـتـهُ
وَمــا عــافَــتــهُ لَكِــن عَــيَّفـَتـهُ
وَمـاِنـتَـقَـت عُـلاهُ بَـلِ اِنـتَـقَتهُ
نُــبَــكّــي لِلمُــغَــيَّبــِ فـي ثَـراهُ
وَذَلِكَ مُـــســـتَـــرَقٌّ أَعـــتَــقَــتــهُ
عَــجـوزُ خِـيـانَـةٍ حَـضَـنَـت وَليـداً
فَــلَدَّتــهُ الكَــريــهَ وَشَــرَّقَــتــهُ
أَذاقَــتــهُ شَهِــيّــاً مِـن جَـنـاهـا
وَصَـــدَّت فـــاهُ عَـــمّـــا ذَوَّقَــتــهُ
تُــشَــوِّقُهُ إِلَيــهِ بِــســوءِ طَــبــعٍ
لِيُـــشـــفــيــهِ عَــذابٌ شَــوَّقَــتــهُ
أَضَــرَّت بِــالصَــفــا وَتَــخَــوَّنَـتـهُ
وَمَــرَّت بِــالصَــفــاءِ فَــرَنَّقــَتــهُ
عَـدَدنـا مِـن كَـتائِبِها المَنايا
وَكَــم فَــتَــكَــت بِـجَـمـعٍ فَـرَّقَـتـهُ
قَــضَـت دَيـنَ اِبـنِ آمِـنَـةٍ وَجـازَت
بِـإيـوانِ اِبـنِ هُـرمُـزَ فَـاِرتَقَتهُ
طَـوَت عَـنـهُ النَـسـيـمَ وَقَد حَبَتهُ
وَحَـــيَّتـــهُ بِـــنـــورٍ فَــتَــقَــتــهُ
كَــسَــتـهُ شَـبـابَهُ وَنَـضَـتـهُ عَـنـهُ
وَكَــرَّت لِلمَــشــيــبِ فَــمَــزَّقَــتــهُ
وَعــاثَــت فــي قُــواهُ فَـحَـمَّلـَتـهُ
وَقِـــدمـــاً أَيَّدَتــهُ فَــنَــزَّقَــتــهُ
تُـمـيـتُ مُـسـافِـراً ظُـلمـاً بِهَـجـلٍ
وَفــي بَــحــرِ المَهـالِكِ غَـرَّقَـتـهُ
فَــإِمّــا فــي أَريــزٍ أَخــصَــرَتــهُ
وَإِمّــا فــي هَــجــيــرٍ حَــرَّقَــتــهُ
وَمـا حَـقَـنَـت دَمَ الإِنسانِ فيها
رُمــوسٌ فــي الرَغــامِ تَـفَـوَّقَـتـهُ
وَقَــد رَفَــعَـت غَـمـائِمَ لِلرَزايـا
عَــلى وَجــهِ التُــرابِ فَـطَـبَّقـَتـهُ
تُــؤَمِّلـُ مَـخـلَصـاً مِـن ضـيـقِ أَمـرٍ
وَلَيــسَ يُــفَــكُّ عــانٍ أَوثَــقَــتــهُ
هِيَ اِفتَتَحَت لَهُ في الأَرضِ بَيتاً
فَــبَــوَّتــهُ النَـزيـلَ وَأَطـبَـقَـتـهُ
وَنَـحـنُ المُـزمِـعـونَ وَشـيـكَ سَـيرٍ
لِنَــســلُكَ فــي طَــريــقٍ طَــرَّقَـتـهُ
هَــوَت أُمٌّ لَنــا غَــدَرَت وَخــانَــت
وَلَم تَـشـفِ السَـليـلَ وَلا رَقَـتـهُ
إِذا اِلتَـفَـتَ اِبنُها عَنها بِزُهدٍ
ثَــنَــتــهُ بِــزُخــرُفِــيٍّ نَــمَّقــَتــهُ
وَلَو قَـدِرَ العَـبـيـدُ عَـلى إِبـاقٍ
لَبــادَرَ عَــبــدُ ســوءٍ أَوبَــقَـتـهُ
أُقـاتُ الشَـيءَ بَعدَ الشَيءِ فيها
لِيُـمـسِـكُـنـي فَـليَـتـي لَم أُقَـتـهُ
عَــذَلَت حُـشـاشَـةً حَـرَصَـت عَـلَيـهـا
فَــجــاءَتــنــي بِــعُــذرٍ لَفَّقــَتــهُ
وَتُــســأَلُ عَــن بَــقـاءٍ أُعـطـيـتَهُ
غَــداً فــي أَيِّ شَــيــءٍ أَنــفَـقـتَهُ
وَلَســتُ بِــفــاتِــحٍ لِلرِزقِ بـابـاً
إِذا أَيــدي الحَـوادِثِ أَغـلَقَـتـهُ
تَـــمَـــنّـــى دَولَةً رَجُـــلٌ غَـــبِـــيٌّ
وَلَو حـازَ المَـمـالِكَ مـا وَقَـتـهُ
وَإِنَّ المُــلكَ طَــودٌ أَثــبَــتَــتــهُ
صُــروفُ الدَهــرِ ثُــمَّتـَ أَقـلَقَـتـهُ
وَمَــن يَـظـفَـر بِـأَمـرٍ يَـبـتَـغـيـهِ
فَــأَقــضِــيَـةُ المُهَـيـمِـنِ وَفَّقـَتـهُ
لَنــا مُهَــجٌ يُــمــازِجُهــا خِــداعٌ
تَـــوَدُّ قَـــسِــيَّهــا لَو نَــفَّقــَتــهُ
وَوالِدَةٌ بَــنَــت جَــسَــداً بِــنَـحـضٍ
وَفــاءَت فَــيــئَةً فَــتَــعَــرَّقَــتــهُ
تَـوَطَّأـَتِ الفَـطـيـمَ عَـلى اِعتِمادٍ
فَـمـا أَبـقَـت عَـلَيـهِ وَلا اِتَّقَتهُ
وَلَم تَـكُ رائِمـاً سـاءَت رَضـيـعـاً
وَحَــنَّتــ بَــعــدَهــا فَــتَـمَـلَّقَـتـهُ
حَــيــاتُــكَ هَــجــعَــةٌ سُهـدٌ وَنَـومٌ
وَرُؤيـــا هـــاجِــعٍ مــا أَنَّقــَتــهُ
فَــمِــن حُــلمٍ يَــسُــرُّكَ أَبــطَـلَتـهُ
وَمِـــن حُـــلمٍ يَــضُــرُّكَ حَــقَّقــَتــهُ
وَكَـــم أَدّى أَمـــانَــتُهُ إِلَيــهــا
أَمـــيـــنٌ خَــوَّنَــتــهُ وَسَــرَّقَــتــهُ
وَقـــائِمُ أُمَّةـــٍ زَكَّتـــهُ عَـــصــراً
فَــلَمّــا أَن تَــمَــكَّنــَ فَــسَــقَـتـهُ
وَإِن أَدنَـت لَنـا أَمَـلاً فَـقُـلنـا
أَتــانــا أَبــعَـدَتـهُ وَأَسـحَـقَـتـهُ
وَوَقــتِــيَ كَــالسَـفـيـنَـةِ سَـيَّرَتـهُ
وَمِــن ســوءِ الجَـرائِمِ أَوسَـقَـتـهُ
حَـثَـت يَـبـسَ الرَغـامِ عَـلى رَضيعٍ
يَــدٌ بِــأَبــيــهِ آدَمَ أَلحَــقَــتــهُ
وَكَـــم صـــالَت عَــلى بَــرٍّ تَــقِــيٍّ
أَكُــفٌّ بِــالمَــواهِــبِ أَرفَــقَــتــهُ
وَأَنـــفـــاســـي مُـــوَكَّلــَةٌ بِــروحٍ
أَراحَــتــهــا وَعُــمــرٍ أَمـحَـقَـتـهُ
شاركها مع اصدقائك

مشاركات الزوار

شاركنا بتعليق مفيد

الشاعر:

أحمد بن عبد الله بن سليمان، التنوخي المعري.
شاعر وفيلسوف، ولد ومات في معرة النعمان، كان نحيف الجسم، أصيب بالجدري صغيراً فعمي في السنة الرابعة من عمره.
وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة، ورحل إلى بغداد سنة 398 هـ فأقام بها سنة وسبعة أشهر، وهو من بيت كبير في بلده، ولما مات وقف على قبره 84 شاعراً يرثونه، وكان يلعب بالشطرنج والنرد، وإذا أراد التأليف أملى على كاتبه علي بن عبد الله بن أبي هاشم، وكان يحرم إيلام الحيوان، ولم يأكل اللحم خمساً وأربعين سنة، وكان يلبس خشن الثياب، أما شعره وهو ديوان حكمته وفلسفته، فثلاثة أقسام: (لزوم ما لا يلزم-ط) ويعرف باللزوميات، و(سقط الزند-ط)، و(ضوء السقط-خ) وقد ترجم كثير من شعره إلى غير العربية وأما كتبه فكثيرة وفهرسها في معجم الأدباء. وقال ابن خلكان: ولكثير من الباحثين تصانيف في آراء المعري وفلسفته،
من تصانيفه كتاب (الأيك والغصون) في الأدب يربو على مائة جزء، (تاج الحرة) في النساء وأخلاقهن وعظاتهن، أربع مائة كراس، و(عبث الوليد-ط) شرح به ونقد ديوان البحتري، و(رسالة الملائكة-ط) صغيرة، و(رسالة الغفران-ط)، و(الفصول والغايات -ط)، و(رسالة الصاهل والشاحج).