قصيدة زعم الغراب منبئ الأنباء للشاعر البُحتُرِيّ

البيت العربي

زَعَمَ الغُرابُ مُنَبِّئُ الأَنباءِ


عدد ابيات القصيدة:56


زَعَمَ الغُرابُ مُنَبِّئُ الأَنباءِ
زَعَــمَ الغُــرابُ مُــنَــبِّئــُ الأَنـبـاءِ
أَنَّ الأَحِـــبَّةـــَ آذَنـــوا بِـــتَــنــاءِ
فَـاِثـلِج بِـبَـردِ الدَمعِ صَدراً واغِراً
وَجَــوانِــحــاً مَــســجــورَةَ الرَمـضـاءِ
لا تَــأمُـرَنّـي بِـالعَـزاءِ وَقَـد تَـرى
أَثَــرَ الخَــليــطِ وَلاتَ حــيـنَ عَـزاءِ
قَـصَـرَ الفِـراقُ عَـنِ السُـلُوِّ عَـزيمَتي
وَأَطــالَ فــي تِـلكَ الرُسـومِ بُـكـائي
زِدنـي اِشـتِـيـاقـاً بِـالمُدامِ وَغَنِّني
أَعــزِز عَــلَيَّ بِــفُــرقَــةِ القُــرَنــاءِ
فَـلَعَـلَّنـي أَلقـى الرَدى فَـيُـريـحُـني
عَــمّــا قَــليــلٍ مِـن جَـوى البُـرَحـاءِ
أَخَــذَت ظُهــورُ الصــالِحِــيَّةــِ زيـنَـةً
عَــجَــبـاً مِـنَ الصَـفـراءِ وَالحَـمـراءِ
نَــسَـجَ الرَبـيـعُ لِرَبـعِهـا ديـبـاجَـةً
مِــن جَــوهَــرِ الأَنــوارِ بِـالأَنـواءِ
بَـكَـتِ السَـمـاءُ بِهـا رَذاذَ دُمـوعِها
فَــغَــدَت تَــبَــسَّمـُ عَـن نُـجـومِ سَـمـاءِ
فــي حُــلَّةٍ خَــضـراءَ نَـمـنَـمَ وَشـيَهـا
حَـــوكُ الرَبـــيـــعِ وَحُـــلَّةٍ صَــفــراءِ
فَـاِشـرَب عَـلى زَهـرِ الرِيـاضِ يَـشوبُهُ
زَهــرُ الخُــدودِ وَزَهــرَةُ الصَهــبــاءِ
مِـن قَهـوَةٍ تُنسي الهُمومَ وَتَبعَثُ ال
شَــوقَ الَّذي قَــد ضَـلَّ فـي الأَحـشـاءِ
يُـخـفـي الزُجـاجَـةَ لَونُهـا فَـكَـأَنَّها
فــي الكَــفِّ قــائِمَــةٌ بِـغَـيـرِ إِنـاءِ
وَلَهــا نَــســيـمٌ كَـالرِيـاضِ تَـنَـفَّسـَت
فـــــي أَوجُهِ الأَرواحِ وَالأَنـــــداءِ
وَفَــواقِــعٌ مِــثــلُ الدُمــوعِ تَــرَدَّدَت
فــي صَـحـنِ خَـدِّ الكـاعِـبِ الحَـسـنـاءِ
يَــســقــيــكَهـا رَشَـأٌ يَـكـادُ يَـرُدُّهـا
سَــكــرى بِــفَــتــرَةِ مُــقــلَةٍ حَــوراءِ
يَـسـعـى بِهـا وَبِـمِـثـلِهـا مِـن طَـرفِهِ
عَـــوداً وَإِبـــداءً عَــلى النُــدَمــاءِ
مــا لِلجَــزيــرَةِ وَالشَــآمِ تَــبَــدَّلا
بِـكَ يـا اِبـنَ يـوسُـفَ ظُـلمَـةً بِـضِياءِ
نَـضَـبَ الفُـراتُ وَكـانَ بَـحـراً زاخِراً
وَاِســوَدَّ وَجــهُ الرَقَّةــِ البَــيــضــاءِ
وَلَقَــد تُــرى بِــأَبــي سَــعــيـدٍ مَـرَّةً
مُــلقـى الرِحـالِ وَمَـوسِـمَ الشُـعَـراءِ
إِذ قَـيـظُهـا مِـثـلُ الرَبـيعِ وَلَيلُها
مِــثــلُ النَهــارِ يُـخـالُ رَأدَ ضَـحـاءِ
رَحَــلَ الأَمــيــرُ مُــحَــمَّدٌ فَــتَـرَحَّلـَت
عَــنــهــا غَــضــارَةُ هَـذِهِ النَـعـمـاءِ
وَالدَهـرُ ذو دُوَلٍ تَـنَـقَّلـُ في الوَرى
أَيّـــامُهُـــنَّ تَـــنَـــقُّلـــَ الأَفـــيــاءِ
إِنَّ الأَمــيــرَ مُــحَــمَّداً لَمُهَــذَّبُ ال
أَفـــعـــالِ فــي السَــرّاءِ وَالضَــرّاءِ
مَــلِكٌ إِذا غَــشِــيَ السُـيـوفَ بِـوَجـهِهِ
غَــشِــيَ الحِـمـامَ بِـأَنـفُـسِ الأَعـداءِ
قَــسَــمَــت يَــداهُ بِــبَــأسِهِ وَسَـمـاحِهِ
فــي النــاسِ قِــســمَــي شِـدَّةٍ وَرَخـاءِ
مُـلِئَت قُـلوبُ العـالَمـينَ بِفِعلِهِ ال
مَـــحـــمـــودِ مِـــن خَــوفٍ لَهُ وَرَجــاءِ
أَغـنـى جَـمـاعَـةَ طَـيِّئـٍ عَـمّـا اِبـتَنَت
آبـــاؤُهـــا القُــدَمــاءُ لِلأَبــنــاءِ
فَـإِذا هُـمُ اِفتَخَروا بِهِ لَم يَبجَحوا
بِـقَـديـمِ مـا وَرِثـوا مِـنَ العَـليـاءِ
صَـعِـدوا جِـبـالاً مِـن عُـلاكَ كَـأَنَّهـا
هَـــضَـــبــاتُ قُــدسَ وَيَــذبُــلٍ وَحِــراءِ
وَاِستَمطَروا في المَحلِ مِنكَ خَلائِقاً
أَصــفــى وَأَعــذَبَ مِــن زُلالِ المــاءِ
وَضَــمِــنــتَ ثَــأرَ مُــحَــمَّدٍ لَهُـمُ عَـلى
كَــلَبِ العِــدى وَتَــخــاذُلِ الأَحـيـاءِ
مـا اِنـفَـكَّ سَـيفُكَ غادِياً أَو رائِحاً
فــي حَــصــدِ هــامــاتٍ وَسَــفـكِ دِمـاءِ
حَـتّـى كَـفَـيـتَهُـمُ الَّذي اِستَكفَوكَ مِن
أَمـــرِ العِـــدى وَوَفَــيــتَ أَيَّ وَفــاءِ
مـازِلتَ تَـقـرَعُ بـابَ بـابَـكَ بِالقَنا
وَتَــــزورُهُ فــــي غــــارَةٍ شَـــعـــواءِ
حَــتّـى أَخَـذتَ بِـنَـصـلِ سَـيـفِـكَ عَـنـوَةً
مِــنـهُ الَّذي أَعـيـا عَـلى الخُـلَفـاءِ
أَخــلَيــتَ مِــنـهُ البَـذَّ وَهـيَ قَـرارُهُ
وَنَـــصَـــبـــتَهُ عَـــلَمــاً بِــســامُــرّاءِ
لَم يُـبـقِ مِـنـهُ خَـوفُ بَـأسِـكَ مَـطعَماً
لِلطَـــيـــرِ فـــي عَـــودٍ وَلا إِبــداءِ
فَـــتَـــراهُ مُـــطَّرِداً عَـــلى أَعــوادِهِ
مِـــثـــلَ اِطِّرادِ كَــواكِــبِ الجَــوزاءِ
مُـسـتَـشـرِفـاً لِلشَـمـسِ مُـنـتَـصِباً لَها
فــي أُخــرَيــاتِ الجِـذعِ كَـالحِـربـاءِ
وَوَصَـــلتَ أَرضَ الرومِ وَصـــلَ كُــثَــيِّرٍ
أَطـــلالَ عَـــزَّةَ فــي لِوى تَــيــمــاءِ
فــي كُــلِّ يَــومٍ قَــد نَــتَـجـتَ مَـنِـيَّةً
لِحُــمــاتِهــا مِــن حَـربِـكَ العُـشَـراءِ
سَهَّلــتَ مِــنــهــا وَعــرَ كُــلِّ حُـزونَـةٍ
وَمَــلَأتَ مِــنــهــا عَــرضَ كُــلِّ فَـضـاءِ
بِــالخَـيـلِ تَـحـمِـلُ كُـلَّ أَشـعَـثَ دارِعٍ
وَتُـــواصِـــلُ الإِدلاجَ بِـــالإِســـراءِ
وَعَـصـائِبٍ يَـتَهـافَـتـونَ إِذا اِرتَـمـى
بِهِـمُ الوَغـى فـي غَـمـرَةِ الهَـيـجـاءِ
مِــثــلَ اليَـراعِ بَـدَت لَهُ نـارٌ وَقَـد
لَفَّتــــهُ ظُــــلمَــــةُ لَيـــلَةٍ لَيـــلاءِ
يَــمــشــونَ فـي زَغَـفٍ كَـأَنَّ مُـتـونَهـا
فــي كُــلِّ مَــعــرَكَــةٍ مُــتــونُ نِهــاءِ
بـيـضٌ تَـسـيـلُ عَـلى الكُماةِ فُضولُها
سَــيــلَ السَــرابِ بِــقَــفــرَةٍ بَـيـداءِ
فَـإِذا الأَسِـنَّةـُ خـالَطَـتـهـا خِـلتَها
فــيــهــا خَــيــالَ كَـواكِـبٍ فـي مـاءِ
أَبــنــاءُ مَــوتٍ يَـطـرَحـونَ نُـفـوسَهُـم
تَــحــتَ المَــنــايـا كُـلَّ يَـومِ لِقـاءِ
فــي عــارِضٍ يَــدِقُ الرَدى أَلهَــبــتَهُ
بِـــصَـــواعِـــقِ العَـــزَمــاتِ وَالآراءِ
أَشـلى عَـلى مَـنـويـلَ أَطـرافَ القَنا
فَــنَــجــا عَــتــيـقَ عَـتـيـقَـةٍ جَـرداءِ
وَلَوَ انَّهــُ أَبــطــا لَهُــنَّ هُــنَــيـهَـةً
لَصَــدَرنَ عَــنــهُ وَهُــنَّ غَــيــرُ ظِـمـاءِ
فَــلَئِن تَــبَــقّــاهُ القَــضـاءُ لِوَقـتِهِ
فَــلَقَــد عَــمَــمــتَ جُــنـودَهُ بِـفَـنـاءِ
أَثـــكَـــلتَهُ أَشـــيـــاعَهُ وَتَـــرَكـــتَهُ
لِلمَــوتِ مُــرتَــقِــبــاً صَـبـاحَ مَـسـاءِ
حَــتّــى لَوِ اِرتَـشَـفَ الحَـديـدَ أَذابَهُ
بِــالوَقــدِ مِــن أَنـفـاسِهِ الصُـعَـداءِ
شاركها مع اصدقائك

مشاركات الزوار

شاركنا بتعليق مفيد

الشاعر:

الوليد بن عبيد بن يحيى الطائي أبو عبادة البحتري. شاعر كبير، يقال لشعره سلاسل الذهب، وهو أحد الثلاثة الذين كانوا أشعر أبناء عصرهم، المتنبي وأبو تمام والبحتري، قيل لأبي العلاء المعري: أي الثلاثة أشعر؟ فقال: المتنبي وأبو تمام حكيمان وإنما الشاعر البحتري. وأفاد مرجوليوث في دائرة المعارف أن النقاد الغربيين يرون البحتري أقل فطنة من المتنبي و أوفر شاعرية من أبي تمام. ولد بنمنبج بين حلب والفرات ورحل إلى العراق فاتصل بجماعة من الخلفاء أولهم المتوكل العباسي وتوفي بمنبج. له كتاب الحماسة، على مثال حماسة أبي تمام.
تصنيفات قصيدة زَعَمَ الغُرابُ مُنَبِّئُ الأَنباءِ